فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

{ تميلوا كل الميل } تتعمدوا الإساءة والظلم .

{ فتذروها } فتتركوها .

{ كالمعلقة } كالتي لا هي ذات زوج ، ولا هي أيم .

{ لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } فيما يكون من بدنه وقلبه فذلك لا يستطيع يملكه .

قوله : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } أخبر سبحانه بنفي استطاعتهم للعدل بين النساء على الوجه الذي لا ميل فيه البتة لما جبلت عليه الطباع البشرية من ميل النفس إلى هذه دون هذه ، وزيادة هذه في المحبة ونقصان هذه ، وذلك بحكم الخلقة بحيث لا يملكون قلوبهم ولا يستطيعون توقيف أنفسهم على التسوية ، ولهذا كان يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم : " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " ولما كانوا لا يستطيعون ذلك ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه نهاهم عز وجل عن أن يميلوا كل الميل ، لأن ترك ذلك وتجنب الجور كل الجور في وسعهم وداخل تحت طاقتهم فلا يجوز لهم أن يميلوا عن إحداهن إلى الأخرى كل الميل حتى يذروا الأخرى كالمعلقة التي ليست بذات زوج ولا مطلقة ، تشبيها بالشيء الذي هو معلق غير مستقر على شيء ؛ . . . { وإن تصلحوا } أي ما أفسدتم من الأمور التي تركتم ما يجب عليكم نحوهن ، { وتتقوا } وتحذروا الميل عن الحق والجور عن سنن العدل ، { فإن الله كان غفورا رحيما } فإن ربنا المعبود بحق سبحانه ما زال يستر الخطايا ، ويصفح عن مؤاخذة المسيئين إذا هم تابوا وسلكوا سبيل المحسنين ، ويتفضل برحمة واسعة ، وجنة عالية .