قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } ، أي : لن تقدروا أن تسووا بين النساء في الحب ، وميل القلب .
قوله تعالى : { ولو حرصتم } على العدل . { فلا تميلوا } ، أي : إلي التي تحبونها .
قوله تعالى : { كل الميل } في القسم والنفقة ، أي : لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم .
قوله تعالى : { فتذروها كالمعلقة } ، أي فتدعو الأخرى كالمعلقة ، لا أيما ولا ذات بعل . وقال قتادة : كالمحبوسة ، وفي قراءة أبي بن كعب : كأنها مسجونة ، وروي عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه ، فيعدل ويقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) ، ورواه بعضهم عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة رضي الله عنها متصلاً .
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) .
وقوله تعالى : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أي : لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه ، فإنه وإن حصل القسْم الصوري : ليلة وليلة ، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع ، كما قاله ابن عباس ، وعُبَيْدة السَّلْمَاني ، ومجاهد ، والحسن البصري ، والضحاك بن مزاحم .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا حسين الجُعَفِي ، عن زائدة ، عن عبد العزيز بن رُفَيع ، عن ابن أبي مُلَيكة قال : نزلت هذه الآية : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } في عائشة . يعني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث حمَّاد بن سلمة ، عن أيوب ، عن أبي قِلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : " اللهم هذا قَسْمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " يعني : القلب .
لفظ أبي داود ، وهذا إسناد صحيح ، لكن قال الترمذي : رواه حماد بن زيد وغير واحد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة مرسلا قال : وهذا أصح{[8452]} .
وقوله { فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } أي : فإذا ملتم إلى واحدة منهم{[8453]} فلا تبالغوا في الميل بالكلية { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } أي : فتبقى هذه الأخرى مُعَلَّقة .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : معناه لا ذات زوج ولا مطلقة .
وقد قال أبو داود الطيالسي : أنبأنا هَمَّام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نَهِيك ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وأحد شِقَّيْهِ ساقط " .
وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث همَّام بن يحيى ، عن قتادة ، به . وقال الترمذي : إنما أسنده همَّام ، ورواه هشام الدستوائي عن قتادة - قال : " كان يقال " . ولا نعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همَّام{[8454]} .
وقوله : { وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } أي : وإن أصلحتم في أموركم ، وقسمتم بالعدل فيما تملكون ، واتقيتم الله في جميع الأحوال ، غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض .
وقوله تعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } الآية . معناه : العدل التام على الإطلاق المستوي في الأفعال والأقوال والمحبة والجماع وغير ذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ثم يقول : «اللهم هذا فعلي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك »{[4323]} يعني ميله بقلبه ، وكان عمر ابن الخطاب يقول : اللهم قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل ، وروي أن هذه الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وميله بقلبه إلى عائشة ، فوصف الله تعالى حالة البشر ، وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض الأزواج دون بعض ، ونشاطهم إليهن وبشرهم معهن ، ثم نهى عن «الميل كل الميل » وهو أن يفعل فعلاً يقصده من التفضيل وهو يقدر أن لا يفعله ، فهذا هو { كل الميل } ، وإن كان في أمر حقير ، فكأن الكلام { فلا تميلوا } النوع الذي هو كل الميل وهو المقصود من قول أو فعل ، وقوله تعالى { فتذروها كالمعلقة } أي لا هي أيم ولا ذات زوج ، وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء لأنه لا على الأرض استقر ، ولا على ما علق منه انحمل ، وهذا مطرد في قولهم في المثل : [ ارض من المركب بالتعليق ]{[4324]} ، وفي عرف النحويين في تعليق الفعل ، ومنه في حديث أم زرع قول المرأة : [ زوجي العشنق ، إن أنطق أطلق ، وإن أسكت أعلق ]
وقرأ أبيّ بن كعب «فتذروها كالمسجونة » وقرأ عبد الله بن مسعود «فتذروها كأنها معلقة » ثم قال تعالى { وإن تصلحوا وتتقوا } أي وإن تلتزموا ما يلزمكم من العدل فيما تملكون { فإن الله كان غفوراً رحيماً } لما لا تملكونه متجاوزاً عنه ، وقال الطبري : معنى الآية ، غفوراً لما سلف منكم من الميل كل الميل قبل نزول الآية .
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : فعلى هذا فهي مغفرة مخصصة لقوم بأعيانهم ، واقعوا المحظور في مدة النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء في التي قبل { وإن تحسنوا } وفي هذه { وإن تصلحوا } لأن الأول في مندوب إليه ، وهذه في لازم ، لأن الرجل له هناك أن لا يحسن وأن يشح ويصالح بما يرضيه ، وفي هذه ليس له أن يصلح ، بل يلزمه العدل فيما يملك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.