معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

قوله تعالى : { وإن كلا } ، قرأ ابن كثير و نافع وأبو بكر : وإن كلا ساكنة النون على تخفيف إن الثقيلة ، والباقون بتشديدها .

قوله تعالى : { لما } شددها هنا وفى يس والطارق : ابن عامر وعاصم وحمزة ، وافق أبو جعفر هاهنا ، وفى الطارق وفى الزخرف ، بالتشديد عاصم وحمزة والباقون بالتخفيف ، فمن شدد قال الأصل فيه : { وإن كلا } لمن ما ، فوصلت من الجارة بما ، فانقلبت النون ميما للإدغام ، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت إحداهن ، فبقيت لما بالتشديد ، وما هاهنا بمعنى : من ، هو اسم لجماعة من الناس ، كما قال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم } [ النساء-3 ] ، أي : من طاب لكم ، والمعنى وإن كلا لمن جماعة ليوفينهم . ومن قرأ بالتخفيف قال : ما صلة زيدت بين اللامين ليفصل بينهما كراهة اجتماعهما ، والمعنى : وإن كلا ليوفينهم . وقيل : ما بمعنى من ، تقدير : لمن ليوفينهم ، واللام فيلما لام التأكيد التي تدخل على خبر إن ، وفي ليوفينهم لام القسم ، والقسم مضمر تقديره والله ، { ليوفينهم ربك أعمالهم } ، أي : جزاء أعمالهم ، { إنه بما يعملون خبير } ، بصير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

ثم أخبرنا{[14937]} تعالى أنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم ، ويجزيهم بأعمالهم ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر ، فقال : { وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي : عليم بأعمالهم جميعها ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها .

وفي هذه الآية قراءات كثيرة ، ويرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه ، كما في قوله تعالى : { وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 32 ] .


[14937]:- في ت ، أ : "ثم أخبر".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

{ وإن كلاًّ } وإن كل المختلفين المؤمنين منهم والكافرين ، والتنوين بدل من المضاف إليه . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبارا للأصل . { لما ليُوفينّهم ربك أعمالهم } اللام الأولى موطئة للقسم والثانية للتأكيد أو بالعكس وما مزيدة بينهما للفصل . وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة { لمّا } بالتشديد على أن أصله لمن ما فقلبت النون ميما للإدغام ، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن ، والمعنى لمن الذين يوفينهم ربك جزاء أعمالهم . وقرئ لما بالتنوين أي جميعا كقوله : { أكلاً لمّاً } { وإن كلٌّ لمَّا } على أن { إن } نافية و{ لما } بمعنى إلا وقد قرئ به . { إنه بما يعملون خبير } فلا يفوته شيء منه وإن خفي .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

تذييل للأخبار السابقة . والواو اعتراضية . و ( إنْ ) مخفّفة من { إنّ } الثّقيلة في قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبي بكر عن عاص ، وأعملت في اسمها فانتصب بعدها . و( إنْ ) المخففة إذا وقعت بعدها جملة اسمية يكثر إعمالها ويكثر إهمالها قاله الخليل وسيبويه ونحاة البصرة وهو الحق . وقرأ الباقون ( إنّ ) مشدّدة على الأصل .

وبتنوين { كُلاّ } عوض عن المضاف إليه . والتقدير : وإنّ كلّهم ، أي كلّ المذكورين آنفاً من أهل القرى ، ومن المشركين المعرّض بهم ، ومن المختلفين في الكتاب من أتباع موسى عليه السّلام .

و ( لَما ) مخفّفة في قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبي عمرو ، والكسائي ، فاللاّم الدّاخلة على ( مَا ) لام الابتداء التي تدخل على خبر { إنّ } . واللاّم الثّانية الدّاخلة على { ليوفينّهم } لام جواب القسم . و ( مَا ) مزيدة للتأكيد . والفصل بين اللاّمين دفعاً لكراهة توالي مثلين .

وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم ، وأبو جعفر ، وخلَف بتشديد الميم من ( لَمّا ) . فعند مَن قرأ ( إنْ ) مخفّفة وشدّد الميم وهو أبو بكر عن عاصم تكون ( إن ) مخفّفة من الثقيلة ، وأمّا مَن شدّد النون ( إنّ ) وشدّد الميم من ( لمّا ) وهم ابن عامر ، وحمزة ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر ، وخلف فتوجيه قراءتهم وقراءة أبي بكر ما قاله القراء : إنّها بمعنى ( لَمِنْ مَا ) فحذف إحدى الميمات الثلاث ، يريد أنّ ( لَمّا ) ليست كلمة واحدة وإن كانت في صُورتها كصورة حرف ( لَمّا ) في رسم المصحف ( لأنّه اتّبع فيه صورة النطق بها ) وإنّما هي مركّبة من لاَم الابتداء و ( مِنْ ) الجارة التي تستعمل في معنى كثرة تكرّر الفعل كالتي في قول أبي حَية النمري :

وإنّا لَمِمّا نَضرب الكبش ضربة *** على رأسه تُلقِي اللسانَ من الفم

أي نكثر ضرب الكبش ، أي أمير جيش العدوّ على رأسه . وقول ابن عبّاس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاقي من الوحي شدّة ، وكان ممّا يحرّك لسانه حين يُنزل عليه القرآن ، فقال الله تعالى : { لا تحرّك به لسانك لتعجل به } [ القيامة : 16 ] الآية . فأصل هذه الكلمات في الآية على هذه القراءات : وإنّ كُلا لَمِنْ مَا ليُوفينهم ، فلمّا قلبت نون ( من ) ميماً لإدغامها في ميم ( مَا ) اجتمع ثلاث ميمات فحذفت الميم الأولى تخفيفاً وهي ميم ( مِن ) لوجود دليل عليها وهو الميم الثانية لأنّ أصل الميم الثّانية نون ( مِن ) فصار ( لَمّا ) .

ولام { ليوفينّهم } لام قسم .

ومعنى الكثرة في هذه الآية الكناية عن عدم إفلات فريق من المختلفين في الكتاب من إلحاق الجزاء عن عمله به .

والمعنى : وإنّ جميعهم لَلاَقُون جزاء أعمالهم لا يفلت منهم أحد ، وإن توفية الله إياهم أعمالهم حقّقه الله ولم يسامح فيه . فهذا التخريج هو أولى الوجوه التي خرجت عليها هذه القراءة وهو مروي عن الفراء وتبعه المهدوي ونصر الشيرازي النّحوي ومشى عليه البيضاوي .

وقد أنهاها أبو شامة في « شرح منظومَة الشّاطبي » إلى ستّة وجوه وأنهاها غيره إلى ثمانية وجوه .

وفي تفسير الفخر : سمعت بعض الأفاضل قال : إنّ الله تعالى لمّا أخبر عن توفية الأجزية على المستحقّين في هذه الآية ذكر فيها سبعة أنواع من التّوكيدات ، أوّلها : كلمة ( إنْ ) وهي للتأكيد ، وثانيها ( كلّ ) وهي أيضاً للتّأكيد ، وثالثها اللاّم الدّاخلة على خبر ( إنّ ) ، ورابعها حرف ( ما ) إذا جعلناه موصولاً على قول الفراء ، وخامسها القسم المضمر ، وسادسها اللاّم الدّاخلة على جواب القسم ، وسابعها النون المؤكدة في قوله : { ليوفينهم } .

وتوفية أعمالهم بمعنى توفية جزاء الأعمال ، أي إعطاء الجزاء وافياً من الخير على عمل الخير ومن السوء على عمل السوء .

وجملة { إنّه بما يعملون خبير } استئناف وتعليل للتّوفية لأنّ إحاطة العلم بأعمالهم مع آرادة جزائهم توجب أن يكون الجزاء مطابقاً للعمل تمام المطابقة . وذلك محقق التوفية .