ثم قال تعالى : { وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المعنى أن من عجلت عقوبته ومن أخرت ومن صدق الرسل ومن كذب فحالهم سواء في أنه تعالى يوفيهم جزاء أعمالهم في الآخرة ، فجمعت الآية الوعد والوعيد فإن توفيه جزاء الطاعات وعد عظيم وتوفيه جزاء المعاصي وعيد عظيم ، وقوله تعالى : { إنه بما يعملون خبير } توكيد الوعد والوعيد ، فإنه لما كان عالما بجميع المعلومات كان عالما بمقادير الطاعات والمعاصي فكان عالما بالقدر اللائق بكل عمل من الجزاء ، فحينئذ لا يضيع شيء من الحقوق والأجزية وذلك نهاية البيان .
المسألة الثانية : قرأ أبو عمرو والكسائي وإن مشددة النون { لما } خفيفة قال أبو علي : اللام في { لما } هي التي تقتضيه إن وذلك لأن حرف إن يقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام كقوله : { إن الله لغفور رحيم } وقوله : { إن في ذلك لآية } واللام الثانية هي التي تجيء بعد القسم كقولك والله لتفعلن ولما اجتمع لامان دخلت ما لتفصل بينهما فكلمة ما على هذا التقدير زائدة ، وقال الفراء : ما موصولة بمعنى من وبقية التقرير كما تقدم ومثله : { وإن منكم لمن ليبطئن } .
والقراءة الثانية : في هذه الآية قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم { وإن كلا لما } مخففتان والسبب فيه أنهم أعملوا إن مخففة كما تعمل مشددة لأن كلمة إن تشبه الفعل فكما يجوز أعمال الفعل تاما ومحذوفا في قولك لم يكن زيد قائما ، ولم يك زيد قائما فكذلك أن وإن .
والقراءة الثالثة : قرأ حمزة وابن عامر وحفص : { وإن كلا لما } مشددتان ، قالوا : وأحسن ما قيل فيه إن أصل لما بالتنوين كقوله : { أكلا لما } والمعنى أن كلا ملمومين أي مجموعين كأنه قيل : وإن كلا جميعا .
المسألة الثالثة : سمعت بعض الأفاضل قال : إنه تعالى لما أخبر عن توفية الأجزية على المستحقين في هذه الآية ذكر فيها سبعة أنواع من التوكيدات : أولها : كلمة { إن } وهي للتأكيد . وثانيها : كلمة «كل » وهي أيضا للتأكيد . وثالثها : اللام الداخلة على خبر { إن } وهي تفيد التأكيد أيضا . ورابعها : حرف { ما } إذا جعلناه على قول الفراء موصولا . وخامسها : القسم المضمر ، فإن تقدير الكلام وإن جميعهم والله ليوفينهم . وسادسها : اللام الثانية الداخلة على جواب القسم . وسابعها : النون المؤكدة في قوله { ليوفينهم } فجميع هذه الألفاظ السبعة الدالة على التوكيد في هذه الكلمة الواحدة تدل على أن أمر الربوبية والعبودية لا يتم إلا بالبعث والقيامة وأمر الحشر والنشر ثم أردفه بقوله : { إنه بما يعملون خبير } وهو من أعظم المؤكدات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.