مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

ثم قال تعالى : { وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : المعنى أن من عجلت عقوبته ومن أخرت ومن صدق الرسل ومن كذب فحالهم سواء في أنه تعالى يوفيهم جزاء أعمالهم في الآخرة ، فجمعت الآية الوعد والوعيد فإن توفيه جزاء الطاعات وعد عظيم وتوفيه جزاء المعاصي وعيد عظيم ، وقوله تعالى : { إنه بما يعملون خبير } توكيد الوعد والوعيد ، فإنه لما كان عالما بجميع المعلومات كان عالما بمقادير الطاعات والمعاصي فكان عالما بالقدر اللائق بكل عمل من الجزاء ، فحينئذ لا يضيع شيء من الحقوق والأجزية وذلك نهاية البيان .

المسألة الثانية : قرأ أبو عمرو والكسائي وإن مشددة النون { لما } خفيفة قال أبو علي : اللام في { لما } هي التي تقتضيه إن وذلك لأن حرف إن يقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام كقوله : { إن الله لغفور رحيم } وقوله : { إن في ذلك لآية } واللام الثانية هي التي تجيء بعد القسم كقولك والله لتفعلن ولما اجتمع لامان دخلت ما لتفصل بينهما فكلمة ما على هذا التقدير زائدة ، وقال الفراء : ما موصولة بمعنى من وبقية التقرير كما تقدم ومثله : { وإن منكم لمن ليبطئن } .

والقراءة الثانية : في هذه الآية قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم { وإن كلا لما } مخففتان والسبب فيه أنهم أعملوا إن مخففة كما تعمل مشددة لأن كلمة إن تشبه الفعل فكما يجوز أعمال الفعل تاما ومحذوفا في قولك لم يكن زيد قائما ، ولم يك زيد قائما فكذلك أن وإن .

والقراءة الثالثة : قرأ حمزة وابن عامر وحفص : { وإن كلا لما } مشددتان ، قالوا : وأحسن ما قيل فيه إن أصل لما بالتنوين كقوله : { أكلا لما } والمعنى أن كلا ملمومين أي مجموعين كأنه قيل : وإن كلا جميعا .

المسألة الثالثة : سمعت بعض الأفاضل قال : إنه تعالى لما أخبر عن توفية الأجزية على المستحقين في هذه الآية ذكر فيها سبعة أنواع من التوكيدات : أولها : كلمة { إن } وهي للتأكيد . وثانيها : كلمة «كل » وهي أيضا للتأكيد . وثالثها : اللام الداخلة على خبر { إن } وهي تفيد التأكيد أيضا . ورابعها : حرف { ما } إذا جعلناه على قول الفراء موصولا . وخامسها : القسم المضمر ، فإن تقدير الكلام وإن جميعهم والله ليوفينهم . وسادسها : اللام الثانية الداخلة على جواب القسم . وسابعها : النون المؤكدة في قوله { ليوفينهم } فجميع هذه الألفاظ السبعة الدالة على التوكيد في هذه الكلمة الواحدة تدل على أن أمر الربوبية والعبودية لا يتم إلا بالبعث والقيامة وأمر الحشر والنشر ثم أردفه بقوله : { إنه بما يعملون خبير } وهو من أعظم المؤكدات .