الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

{ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا } اختلف فيه القُرّاء ، فقرأ ابن عامر وأبو جعفر وحمزة { وَأنَ } بتخفيف النون وَ { لَمَّا } بتشديد الميم على معنى فأنّ كلاً لمّا { لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } ، ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة ، كقول الشاعر :

كان من أخرها لقادم *** مخرم نجد فارع المحارم

أراد إلى القادم ، فحذف اللام عند اللام وتكون { مَآ } بمعنى من تقديره لممّن يوفينّهم ، كقول الشاعر :

وأنّيَ لمّا أصدر الأمر وجهه *** إذا هو أعيا بالسبيل مصادره

وقيل : أراد وأن كلا لمّاً بالتنوين والتشديد ، قرأها الزهري بالتنوين أي وإن كلاً شديداً وحقاً ليوفينّهم { رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } من قوله تعالى : كلاّ لمّا ، أي شديداً فحذفوا التنوين وأخرجوه على هذا فعلى ، كما فعلوا في قوله : ثم أرسلنا رسلنا تترى ، وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف النون والميم على معنى إن الثقيلة مخفّف ، وأنشد أبو زيد :ووجه مشرق النحر كأنْ ثدييه حُقّان

أراد كان فخفّف ونصب به ، و { مَآ } صلة تقديره وإن كلا ليوفينّهم . وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب وحفص وأيوب وخلف بتشديد النون وتخفيف الميم على معنى وأن كُلاً ليوفينّهم ، جعلوا { مَآ } صلة . وقيل : أرادوا وأن كلا لممّن كقوله

{ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ النساء : 3 ]أي من . وقرأ أبو بكر بن عياش بتخفيف النون وتشديد الميم أراد أن الثقيلة فخفّفها .

وقيل : { إِنَّ } بمعنى { مَا } الجحد و { لَّمَّا } بمعنى { إلاَّ } تقديره وما كلاً إلاّ ليوفينّهم ، ولكنه نصب كلاّ بإيقاع التوفية عليه أي ليوفينّ كلا وهو أبعد القراءات فيها من الصواب ، { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .