وقوله : { وَإِنَّ كُلاًّ لَّما لَيُوَفِّيَنَّهُمْ 111 } ،
قرأت القراء بتشديد ( لَما ) وتخفيفِها ، وتشديد إن وتخفيفها ، فمنْ قال : { وَإنَّ كُلاَّ لَما } ، جعل ( ما ) اسما للناس ، كما قال : { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء } ، ثم جَعَل اللام التي فيها جَواباً لإنّ ، وجَعَل اللام التي في ( لَيُوَفِّيَنَّهُمْ ) لا ما دخلت على نيّة يمين فيها : فيما بين ما وصلتها ؛ كما تقول : هذا مَن لَيذهبنَّ ، وعندي ما لَغَيْرُهُ خير منه . ومثله : { وإنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ ليُبَطِّئَن } ، وأَما مَنِ شدّد ( لما ) فإنه - والله أعلم - أَراد : لِمن ما لَيُوَفِّينَّهم ، فلما اجتمعت ثلاث ميمات حذَف واحدة فبقيت اثنتان فأدغمت في صَاحبتها ؛ كما قال الشاعر :
وإني لَمِما أُصدر الأمرَ وَجْهَهُ *** إذا هو أعيا بالسبيل مصادرُه
ثم يخفّف كما قرأ بعض القراء : ( وَالبَغْيِ يَعِظُكْمْ ) ، بحذف الياء ( عند الياء ) ، أنشدني الكسائي :
وأَشمتَّ العُداة بنا فأضحَوا * لدَيَّ تَبَاشَرُونَ بما لِقينا
معناه : ( لديَّ ) يتباشرون ، فحذف لاجتماع الياءات ومثله :
كأنّ مِن آخرها القادِمِ *** مَخْرِمَ نجدٍ فارعَ المخارم
أراد : إلى القادم ، فحذف اللام عند اللام . وأَما مَن جعل ( لَما ) بمنزلة إلاَّ فإنه وجه لا نعرفه . وقد قالت العرب : بالله لَما قمت عنا ، وإلاَّ قمت عنا ، فأما في الاستثناء فلم يقولوه في شعر ولا غيره ؛ أَلا ترى أنَّ ذلك لو جَاز لسمعتَ في الكلام : ذهب الناسَ لَما زيدا .
وأَما الذين خفّفوا ( إن ) فإنهم نصبوا كلا بِ ( لَيُوفَّينَّهم ) . وقالوا : كأنا قلنا : وإنْ لَيوَفِّينَّهم كُلاَّ . وهو وجه لا أشتهيه ؛ لأن اللام إنما يقع الفعل الذي بعدها على شيء قبله ، فلو رفعت كلّ لصلح ذلك ، كما يصلح أَن تقول : إنْ زيد لقائم ، ولا يصلح أن تقول : إنْ زيداً لأَضربُ ؛ لأن تأويلها كقولك : ما زيداً إلاّ أضرب ، فهذا خطأ في إلاّ وفي اللام .
وقرأ الزُهريّ : ( وإنَّ كُلاًّ لَما ليُوَفِّيَنَّهم ) ، ينوّنها ، فجعل اللام شديداً ، كما قال : { وَتَأْكُلُون التُرَاثَ أَكْلاً لَما } ، فيكون في الكلام بمنزلة قولك : وانّ كلا حقّا ليوفينّهم ، وإن كلا شديدا ليوفينّهم . وإذا عَجَّلت العرب باللام في غير موضعها أعادوها إليه ، كقولك : إنَّ زيدا لإليك لمحسن ، كان موقع اللام في المحسن ، فلما أدخلت في إليك أُعيدت في المحسن ، ومثله قول الشاعر :
ولو أنَّ قومي لم يكونوا أعِزّة *** لَبَعْدُ لقد لاقيتُ لا بدّ مَصْرعَا
أَدخلها في ( بَعد ) وليسَ بموضعها ، ومثله قول أبى الجرّاح : إني لبحمد الله لصالح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.