إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

{ وَإِنَّ كُلاًّ } التنوينُ عوضٌ عن المضاف إليه أي وإن كلَّ المختلِفين فيه المؤمنين منهم والكافرين ، وقرأ ابنُ كثير ، ونافعٌ ، وأبو بكر ، بالتخفيف مع الإعمال اعتباراً للأصل { لمَّا لَيُوَفّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } أي أجزيةَ أعمالِهم ، واللامُ الأولى موطئةٌ للقسم والثانيةُ جوابٌ للقسم المحذوف ، ولما مركبةٌ من مِنْ الجارة وما الموصولة أو الموصوفة وأصلها لمِن فقلبت النون ميماً للإدغام فاجتمع ثلاث ميماتٍ فحُذفت أولاهن ، والمعنى لَمِن الذي أو لمِنْ خلْقٍ أو لمن فريقٍ والله ليوفينهم ربك وقرىء لما بالتخفيف على أن ما مزيدةٌ للفصل بين اللامين والمعنى إن جميعَهم والله ليوفينهم الآية وقرىء لمًّا بالتنوين أي جميعاً كقوله سبحانه : { أَكْلاً لَّمّاً } [ الفجر ، الآية 19 ] وقرأ أبي وإنْ كلٌّ لمّا ليوفينهم على أن نافية ولما بمعنى إلا وقد قرىء به { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي بما يعمله كلُّ فردٍ من المختلفين من الخير والشر { خَبِيرٌ } بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من جلائله ودقائقه ، وهو تعليلٌ لما سبق من توفية أجزيةِ أعمالِهم فإن الإحاطةَ بتفاصيل أعمالِ الفريقين وما يستوجبه كلُّ عمل بمقتضى الحكمةِ من الجزاء المخصوصِ توجب توفيةَ كلِّ ذي حقٍ حقَّه إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشر .