قوله تعالى : { أو خلقاً مما يكبر في صدوركم } ، قيل : السماء والأرض والجبال . وقال مجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين : إنه الموت ، فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت ، أي : لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم . { فسيقولون من يعيدنا } ، من يبعثنا بعد الموت ؟ { قل الذي فطركم } ، خلقكم ، { أول مرة } ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة ، { فسينغضون إليك رؤوسهم } أي : يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بها ، { ويقولون متى هو } ؟ أي : البعث والقيامة ، { قل عسى أن يكون قريباً } أي : هو قريب ، لأن عسى من الله واجب ، نظيره قوله تعالى : { وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب – 63 ] .
{ أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ }
قال ابن إسحاق عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : سألت ابن عباس عن ذلك فقال : هو الموت .
وروى عطية ، عن ابن عمر أنه قال في تفسير هذه الآية : لو كنتم موتى لأحييتكم . وكذا قال سعيد بن جبير ، وأبو صالح ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك .
ومعنى ذلك : أنكم لو فرضتم أنكم لو{[17584]} صِرْتُم مَوْتًا الذي هو ضد الحياة لأحياكم الله إذا شاء ، فإنه لا يمتنع{[17585]} عليه شيء إذا أراده .
وقد ذكر بن جرير [ هاهنا ]{[17586]} حديث : " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كَبْش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم . ثم يقال : يا أهل النار ، أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم . فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود بلا موت ، ويا أهل النار ، خلود بلا موت " {[17587]} .
وقال مجاهد : { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } يعني : السماء والأرض والجبال .
وفي رواية : ما شئتم فكونوا ، فسيعيدكم الله بعد موتكم .
وقد وقع في التفسير المروي عن الإمام مالك ، عن الزهري في قوله { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } قال : النبي صلى الله عليه وسلم ، قال مالك : ويقولون : هو الموت .
وقوله [ تعالى ]{[17588]} { فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا } أي : من يعيدنا إذا كنا حجارة أو حديدًا أو خلقًا آخر شديدًا { قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي : الذي خلقكم ولم تكونوا شيئًا مذكورًا ، ثم صرتم بشرًا تنتشرون ؛ فإنه قادر على إعادتكم ولو صرتم إلى أي حال { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .
وقوله [ تعالى ]{[17589]} : { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ } : قال ابن عباس وقتادة : يحركونها استهزاء .
وهذا الذي قالاه هو الذي تفهمه العرب من لغاتها ؛ لأن{[17590]} الإنغاض هو : التحرك من أسفل إلى أعلى ، أو من أعلى إلى أسفل ، ومنه قيل للظليم - وهو ولد النعامة - : نغضًا ؛ لأنه إذا مشى عَجل{[17591]} في مشيته وحَرك رأسه . ويقال : نَغَضَت{[17592]} سنُه إذا تحركت وارتفعت من مَنْبَتها ؛ قال : الراجز{[17593]} :
ونَغَضَتْ مِنْ هَرَم أسنانها . . .
وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ } إخبار عنه بالاستبعاد منهم لوقوع{[17594]} ذلك ، كما قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الملك : 25 ] ، وقال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] .
وقوله : { قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا } أي : احذروا ذلك ، فإنه قريب إليكم ، سيأتيكم لا محالة ، فكل ما هو آت آت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.