الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

قوله تعالى : { الَّذِي فَطَرَكُمْ } : فيه ثلاثة أوجه ، أحدُها : أنه مبتدأٌ وخبرُه محذوف ، أي : الذي فطركم يعيدُكم . وهذا التقديرُ فيه مطابقةٌ بين السؤالِ والجوابِ . والثاني : أنه خبرُ مبتدأ محذوف ، أي : مُعِيْدُكم . الذي فطركم . الثالث : أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدر ، أي : يعيدُكم الذي فطركم ، ولهذا صُرِّح بالفعل في نظيره عند قولِه : { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] .

و { أَوَّلَ مَرَّةٍ } ظرفُ زمان ناصبُه " فَطَركم " .

قوله : " فسَيُنْغِضُون " ، أي : يُحَرِّكونها استهزاءً . يقال : أَنْغَضَ رأسَه يُنْغِضها ، أي : حَرَّكها إلى فوقُ ، وإلى أسفلَ إنغاضاً ، فهو مُنْغِضٌ ، قال :

أَنَغَضَ نحوي رأسَه وأَقْنَعا *** كأنه يطلُبُ شيئاً أَطْمعا

وقال آخر :

لَمَّا رَأَتْنِي أَنْغَضَتْ لِي الرَّأْسا ***

وقال أبو الهيثم : " إذا أُخْبِرَ بشيءٍ فَحَرَّك رأسَه إنكاراً له فقد أَنْغَضَ " . قال ذو الرمة :

ظَعائِنُ لم يَسْكُنَّ أَكْنافَ قريةٍ *** بِسِيْفٍ ولم تَنْغُضْ بهنَّ القَنَاطِرُ

أي : لم تُحَرَّك ، وأمَّا نَغَضَ ثلاثياً ، يَنْغَضُ ويَنْغُضُ بالفتح والضم ، فبمعنى تَحَرَّك ، لا يتعدَّى يقال : نَغَضَتْ سِنَّه ، أي : تَحَرَّكت ، تَنْغُضُ نَغْضاً ونُغوضاً . قال :

ونَغَضَتْ مِنْ هَرَمٍ أسنانُها ***

قوله : { عَسَى أَن يَكُونَ } يجوز أن تكونَ الناقصة ، واسمُها مستترٌ فيها يعودُ على البعثِ والحشرِ المدلولِ عليهما بقوة الكلام ، أو لتضمُّنِه في قوله " مَبْعوثون " ، و " أن يكونَ " خبرُها ، ويجوز أن تكونَ التامَّةَ مسندةً إلى " أنَّ " وما في حيِّزها ، واسمُ " يكونَ " ضميرُ البعثِ كما تقدَّم .

وفي " قريباً " وجهان ، أحدُهما : أنه خبر " كان " وهو وصفٌ على بابِه . والثاني : أنه ظرفٌ ، أي : زماناً قريباً ، وأن يكونَ " على هذا تامةٌ ، أي : عسى أن يقع العَوْد في زمانٍ قريب .