الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

" أو خلقا مما يكبر في صدوركم " قال مجاهد : يعني السماوات والأرض والجبال لعظمها في النفوس . وهو معنى قول قتادة . يقول : كونوا ما شئتم ، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم . وقال ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن جبير ومجاهد أيضا وعكرمة وأبو صالح والضحاك : يعني الموت ؛ لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه ، قال أمية بن أبي الصلت :

وللمَوتُ خَلْق في النفوس فظيع

يقول : إنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد أو كنتم الموت لأميتَنّكم ولأبعثنكم ؛ لأن القدرة التي بها أنشأتكم بها نعيدكم . وهو معنى قوله : " فسيقولون من يعيدنا " . وفي الحديث أنه ( يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ) . وقيل : أراد به البعث ؛ لأنه كان أكبر في صدورهم ، قاله الكلبي . " فطركم " خلقكم وأنشأكم . " فسينغضون إليك رؤوسهم " أي يحركون رؤوسهم استهزاء ، يقال : نغض رأسه ينُغُض ويَنْغِض نَغْضًا ونُغُوضًا ، أي تحرك . وأنغض رأسه أي حركه ، كالمتعجب من الشيء ، ومنه قوله تعالى : " فسينغضون إليك رؤوسهم " . قال الراجز :

أنغض نحوي رأسه وأقنعا{[10274]}

ويقال أيضا : نغض فلان رأسه أي حركه ، يتعدى ولا يتعدى ، حكاه الأخفش . ويقال : نغضت سنه ، أي حركت وانقلعت . قال الراجز :

ونغضت من هَرَم أسنانها

وقال آخر :

لما رأتني أنغضت لي الرأسا

وقال آخر :

لا ماء في المَقْرَاة إن لم تنهض *** بمسد فوق المحال النُّغَّضِ

المحال والمحالة : البكرة العظيمة التي يستقي بها الإبل . " ويقولون متى هو " أي البعث والإعادة وهذا الوقت . " قل عسى أن يكون قريبا " أي هو قريب ؛ لأن عسى واجب ، نظيره " وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا{[10275]} " [ الأحزاب : 63 ] و " لعل الساعة قريب{[10276]} " [ الشورى : 17 ] . وكل ، ما هو آت فهو قريب .


[10274]:أقنع فلان رأسه: وهو أن يرفع بصره ووجهه إلى ما حيال رأسه من السماء.
[10275]:راجع ج 14 ص 284.
[10276]:راجع ج 16 ص 15.