السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

{ أو خلقاً } غير ذلك { مما يكبر } أي : يعظم عظمة كبيرة { في صدوركم } أي : مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها فإنّ الله تعالى قادر على إعادة الحياة إليها . وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين : أنه الموت فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت ، أي : لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم ، وقيل السماوات والأرض والجبال لأنها من أعظم المخلوقات { فسيقولون } تمادياً في الاستهزاء { من يعيدنا } إذا كنا كذلك { قل الذي فطركم } أي : ابتدأ خلقكم { أوّل مرّة } ولم تكونوا شيئاً يعيدكم بالقدرة التي ابتدأكم بها فكما لم تعجز تلك عن البداءة فهي لا تعجز عن الإعادة { فسينغضون } أي : يحركون { إليك رؤوسهم } تعجباً واستهزاء كأنهم في شدة جهلهم على غاية البصيرة من العلم بما يقولون والنغض والإنغاض تحريك بارتفاع وانخفاض { ويقولون } استهزاء { متى هو } أي : البعث والقيامة . قال الرازي : واعلم أنّ هذا السؤال فاسد لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي تقدمت ثم إنّ الله تعالى بيَّن بالبرهان الباهر كونه ممكناً في نفسه فقولهم متى هو كلام لا تعلق له بالمبحث فإنه لما ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه فأما أنه متى يوجد فذلك لا يمكن إثباته من طريق العقل بل إنما يمكن إثباته بالدليل السمعي فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعين عرف وإلا فلا سبيل إلى معرفته لأنه تعالى بين في القرآن انه لا يطلع أحداً من الخلق على وقته المعين فقال تعالى : { إنّ الله عنده علم الساعة } [ لقمان ، 34 ]

وقال : { إنما علمها عند ربي } [ الأعراف ، 187 ] . وقال تعالى : { إنّ الساعة آتية أكاد أخفيها } [ طه ، 15 ]

فلا جرم . قال تعالى : { قل عسى أن يكون قريباً } قال المفسرون :عسى من الله واجب ومعناه أنه قريب إذ كل آت قريب وأمال متى وعسى حمزة والكسائي إمالة محضة وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح .