الآيتان50و51 : وقوله تعالى : { قل كونوا حجارة أو حديدا }{ أو خلقا مما يكبر في صدوركم } قال بعض أهل التأويل : أي كنتم حجارة أو حديدا يميتكم{[10941]} . لمن هذا بعيد ، لأنهم لم يكونوا ينكرون الموت ؛ إذ كانوا يشاهدون الموت ، فلا يحتمل الإنكار . ولو كانوا ينكرون البعث بعد الموت وبعد ما صاروا ترابا ورفاتا ، إلا أن يقال : إنكم لو كنتم بحيث لا تبعثون ، ولا تجزون بأعمالكم لكنتم حجارة أو حديدا لم تكونوا بشرا ، لأن الحجارة والحديد ونحو ذلك غير ممتحن ولا مأمور بشيء ولا منهي عن شيء .
وأما البشر فإنهم لم ينشئوا إلا للامتحان بأنواع المحن والأمر والنهي والحل والحرمة . فلا بد من الامتحان فإذا امتحنوا بأشياء لابد من البعث للجزاء والعقاب . فإذا لم تكونوا ولكن كنتم ، فاعلموا أنكم تبعثون ، وتجزؤون بأعمالكم .
على هذا يحتمل أن يصرف تأويلهم لا إلى ما قالوا . وإلا ظاهر ما قالوا ، وتأولوا لا يحتمل لما لا أحد أنكر الموت . ويحتمل قوله { قل كونوا حجارة أو حديدا }{ أو خلقا مما يكبر في صدوركم }أي لو كنتم ما ذكر حجارة أو حديدا أو أشد ما يكون من الخلق لقدر أن ينشئكم بشرا من ذلك . فكيف إذا كنتم بشرا في الابتداء ؟ ( إنه قادر ){[10942]} أن يعيدكم بشرا على ما كنتم كما أنشأكم في الابتداء من ماء وتراب ، وليس في ذلك الماء والتراب من آثار البشر من العظام واللحوم والعصب والجلد وغيرها .
فمن قدر على إنشاء هذا قدر على إنشاء البشر بعد الموت وبعد ما صار ترابا ورفاتا . على هذا يجوز أن يُتَأَوَّلَ .
ووجه آخر ( هو ){[10943]} أن يقال : ظننتم{[10944]} أن لو كنتم حجارة أو حديدا أو ما ذكر لبعثكم فكيف تظنون أنه لا يبعثكم إذا كنتم تربا ورفاتا أو كلاما{[10945]} نحوه ؟
وقوله تعالى : { أو خلقا مما يكبر في صدوركم } ذكروا هذا وكل ما يكبر في صدورهم{[10946]} على ما ذكر{ فسيقولون من يعيدنا }استهزاء منهم به { قل الذي فطركم أول مرة } إنهم قالوا ما قالوا استهزاءا به وسخرية ؛ فقد أمر الله تعالى أولياءه والمؤمنين أن يحاجوهم محاجة العقلاء والحكماء مع الحجج والبراهين ، وإن كانوا قالوا ما قالوا سفها واستهزاءا .
وعلى ذلك عاملهم الله ، وإن كانوا سفهاء في قولهم مستهزئين ، وكذلك أمر رسله أن يعاملوا قومهم أحسن المعاملة لهؤلاء حين{[10947]} قال : { وجادلهم بالتي هي أحسن }( النحل : 125 )وقال : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن }( الإسراء : 53 ) . وإنما ذكر الله هذه الآيات لنحاج بما هؤلاء ( حاج ){[10948]} ونعلم أن كيف المعاملة لهؤلاء ؟ إذ قد أقام الله تعالى من الآيات والحجج على بعثهم وإحيائهم حججا كافية ما لم يحتج إلى مثل هذا . لكنه ذكر هذا لما ذكرنا ، والله أعلم .
وكان الذي حملهم على إنكار ذلك وجهين{[10949]} من الاعتبار :
أحدهما{[10950]} : أنهم لم يروا من الحكمة إماتتهم ثم الإحياء على مثل ذلك ؛ إذ لو كان{[10951]} يحييهم ثانيا لكان لا يميتهم كنقض البناء على قصد بناء مثله .
والثاني : لما رأوا أقواما قد ماتوا منذ ( أمد ){[10952]} طويل ، ثم لم يبعثوا .
فيقال لهم : إنه قد تأخر كونكم وإنشاؤكم ، ثم لم يدل تأخركم على أنكم لا تكونون . فعلى ذلك لا يدل تأخر البعث على أنه لا يكون .
وأما جواب الأول فإنه يقال لهم : إنكم تقرون أنه أنشأكم أول مرة وأنه يميتكم ، فليس من الحكمة الإنشاء{[10953]} ثم الإماتة لأنه يكون كمن بنى بناءا للنقض والإفناء . فإذا كان حكمة كان الثاني : أيضا حكمة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة }أي يعيدكم الذي خلقكم أول مرة ، ولم يكونوا ولم تكونوا شيئا على ما ذكرنا . وإعادة الشيء ( بمعرفة ابتدائه ){[10954]} إنما يتكلفون تعلم ابتداء الصناعات ومعرفتها ، ثم يعرفون ( الإعادة بمعرفة الابتداء . فدل أنها ){[10955]} أهون وأيسر ، وهي{[10956]}ما قال : { وهو أهون عليه }( الروم : 27 )أي في عقولكم ذلك أهون وأيسر .
وقوله تعالى{ فسينغضون إليك رءوسهم } أي يحركون رؤوسهم استهزاء به وهُزْوًا{ ويقولون متى هو }على الاستهزاء أيضا ، أي لا يكون .
وقوله تعالى : { متى هو } قال : قالوا ذلك جهلا به وإنكارا ، وإلا لو علموا أنه كائن ، لا محالة ، لكانوا لا يقولون ذلك ، بل يخافون كما خاف الذين آمنوا به .
وقوله تعالى : { قل عسى أن يكون قريبا } وعسى من الله واجب ، أي يكون ، لا محالة .
وقوله : { قريبا } أي كائنا . القريب يقال على الكون أي كائنا ، ويقال على القريب والبعيد . كذلك يقال على الإنكار رأسا ، ويقال على الاستبعاد كقوله : { إنهم يرونه بعيدا }{ ونراه قريبا }( المعارج : 6و7 )أي هم لا يرونه كائنا ، ونراه نحن كائنا كقوله : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها }( الشورى : 18 )كانوا يستعجلون بها لما لم يكونوا يرونه كائنا ، والمؤمنون يرونه كائنا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.