التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ( 1 )أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 135 ) } .

وإن تلووا : قال المؤولون : إنها بمعنى محاباة الحكام لأحد الخصمين كما قالوا : إنها بمعنى لي اللسان بتحريف الشهادة والدعاوى ، وقد يكون هذا هو الأوجه وهو ما عليه الجمهور .

في الآية أمر موجه إلى المؤمنين :

( 1 ) بأن يكونوا شديدي الاهتمام للعدل والحق والتزامهم في كل حال وفيما يطلب من شهادة وقول في صددهما .

( 2 ) وبأن لا يراقبوا في ذلك إلا الله تعالى وحده ، ولو كانت الشهادة وقول الحق على نفس الواحد منهم أو على أبويه أو ذوي قرباه . وبقطع النظر عن أي اعتبار ، وعن كون الذي يشهد بالحق عليه ويقال : كلمة العدل في حقه غنيا يخشى منه أو فقيرا يشفق عليه ، فالله أولى بهما منه .

( 3 ) وبأن عليهم في أي حال التزام هذا النهج وعدم اتباع الهوى والعاطفة وجعلهما مؤثرين فيما يجب عليهم من الحق والعدل . فالله سبحانه يعلم حقائق الأمور والنوايا عليهم أن يتقوه )ويحذروه ولا يغيروا أو يبدلوا أو يكتموا الشهادة أو يحرفوها أو يعرضوا عن القول الحق والعمل العدل وتوطيدها في أي حال .

تعليق على الآية

( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط . . . ) الخ

ولقد روى الطبري عن السدي أن الآية نزلت تأديبا للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث تخاصم عنده غني وفقير فكان ميله نحو الفقير باجتهاد أن الفقير لا يمكن أن يكون ظالما للغني ، وروى الطبري إلى هذا أنها في صدد قضية لبني أبيرق ، وما كان من اتجاه النبي إلى تبرئتهم بسبب تزويقهم الكلام مما أوردنا تفصيله قبل . والروايات لم ترد في الصحاح .

ويلحظ في صدد القول بصلة الآية بحادث بني أبيرق أن سياق هذا الحادث قد انتهى ، وجاءت بعده فصول لا علاقة لها به . ويلحظ في صدد رواية السدي أنه لو كانت الآية في موقف النبي من الخصومة بين الغني والفقير لكان الخطاب فيها موجها له ، كما كان الأمر في حادث بني أبيرق على ما جاء في الآية ( 105 ) وما بعدها .

والذي يتبادر لنا أن الآية جاءت هي الأخرى معقبة كسابقاتها على فصل الاستفتاء في النساء ويتاماهن ؛ حيث احتوت بدورها توكيدا بوجوب تقوى الله ومراقبته في حقوق الناس ، وعدم التلاعب فيها بأي سبب واعتبار .

وفي التلقينات التي احتوت الآية من الجلالة والروعة ما يجعلها من أمهات الآيات القرآنية المحكمة في بابها . وغرة وهاجة السناء في جبهة الشريعة الإسلامية ؛ حيث تأمر بأسلوب قوي نافذ وحاسم وموجه إلى العقل والقلب معا بما يجب على المسلمين في كل ظرف ومكان وسواء في ذلك أفرادهم وجماعاتهم وحكامهم من قول الحق والشهادة بالحق وتسويد الحق على كل اعتبار وعاطفة ومصلحة خاصة ، ولو على أنفسهم أو والديهم أو أقربائهم ودون خوف من أحد أو شفقة على أحد . والتضامن في ذلك أشد تضامن وأقواه . على اعتبار أن قوة البنيان الاجتماعي والطمأنينة الاجتماعية ومصلحة الأفراد والجماعات منوطة به وقائمة عليه . وعلى اعتبار أن استشعار كل فرد بواجب الإنصاف في كل موقف وحال هو أقوى عماد لصلاح المجتمع وقوته وسعادته .