تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

المفردات :

قوامين بالقسط : قائمين بالعدل مع المواظبة عليه ، والمبالغة فيه .

وإن تلووا : وإن تميلوا ألسنتكم بالشهادة ، بالإثيان بها على غير وجهها .

أَوْ تُعْرِضُواْ : أي : تتركوا إقامتها أو تقيموها على غير وجهها .

135_ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ . . . الآية .

هذه الآية _والتي بعدها _ فيهما امتداد للحديث عن العدل ، الذي سبق طرف منه في الآيات السابقة . وبين الإيمان والعدل رباط وثيق ؛ لأن الإيمان الصحيح ، يقتضي إمام العدل والقسط بين الناس .

والمعنى : يأيها الذين آمنوا ، كونوا مواظبين على العدل في جميع الأمور ، مجتهدين في إقامته كل الاجتهاد ؛ لا يصرفكم عنه صارف . وكونوا شهداء ولو عى أنفسكم أو الوالدين والأقربين . وذلك بأن تقيموا شهاداتكم بالحق خالصة لوجه الله ، لا لغرض من الأغراض الدنيوية ، مهما يكن أجره ، ولو عادت الشهداة بالضرر عليكم ، أو على الوالدين والأقربين . فإن الحق أحق أن يتبع ، وأولى بالمراعاة من كل عاطفة وغرض .

إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا . . . أي : فلا يكن المشهود عليه غنيا يرجى نفعه . أو فقيرا يثير فقره الرحمة ، فلا تتأثروا بذلك كله في شهاداتكم . فالله أولي بالأغنياء والفقراء ، وأحق منكم برعاية ما يناسب كلا منهما . ولولا أن أداء الشهادة على وجهها فيه مصلحة لهما ، لما شرعه الله . فراعوا أمره- تعالى- فإنه أعلم بمصالح العباد منكم .

فلا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ . . . أي : فلا تتبعوا في شهادتكم-على هذا أو ذاك- هواكم : كارهين إقامة العدل في شهاداتكم من أجل الرغبة في مصلحتهما ؛ لأن اتباع الهوى والميل ، ضلال لا يليق بالمؤمنين . وإقامة العدل حق وهدى : يجب على المؤمنين- وجوبا مؤكدا- أن يتصفوا به .

وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا . . . أي : وإن تميلوا ألسنتكم عن الشهادة بالإتيان بها على غير وجهها الذي تستحقه أو تعرضوا عنها وتتركوا إقامتها وتهربوا من أدائها- فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ . من التحريف ، أو الكذب ، أو ترك الشهادة وكتمانها خبيرا . وعليما .

قال : وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . . . ( البقرة : 283 ) .

قال الطبري : وهذه الآية عندي تأديب من الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الذين عذروا بني أبيرق- في سرقتهم ما سرقوا وخيانتهم ما خانوا- عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عنده بالصلاح فقال لهم : إذا قمتم بالشهادة لإنسان أوعليه ؛ فقولوا فيها بالعدل . ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم ، ولا يحملنكم غنى من شهدتم له ، أو فقره أو قرابته ورحمة منكم على الشهادة له بالزور ، ولا على ترك الشهادة عليه بالحق وكتمانها {[131]}

والآية بعد كل هذا تظل معلما رفيعا ، ومنارة هادية إلى الشهادة بالحق ولو كان ذلك على الإنسان أو قرابته أو من يهمه أمرهم لأى سبب كان كرعاية الجار ، أو الطمع في جاره ، أو منصب عند حاكم ، أو انتصار لطائفة أو مذهب ، أو نحو ذلك وما جاء في الآية إنما هو من باب ضرب المثل .

جاء في تفسير ابن كثير :

ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارتهم وزرعهم فأرادوا أن يوشوه ؛ ليرفق بهم ؛ فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلى ، ولأنتم أبعض إلى من أعدادكم من القردة والخنازير ، وما يحملني حبى إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض .


[131]:تفسير الطبري 9/303