الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ . . . ) الآية [ 135 ] . ( {[13775]} ) .

قوله : ( إِنْ يَّكُنْ غَنِيّاً اَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا )( {[13776]} ) وقال الأخفش : " أو " بمعنى الواو ، فلذلك قال : " بهما " ولم يقل به .

وقيل : المعني : إن يكن المتخاصمان غنيين أو فقيرين .

وقيل : هو مثل قوله ( وَلَهُ( {[13777]} ) أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا [ السُّدُسُ ] )( {[13778]} ) .

وقيل( {[13779]} ) : لما كان المعنى فالله أولى بغنى الغني ، وفقر( {[13780]} ) الفقير ، رد الضمير عليهما .

وقيل( {[13781]} ) : إنما رجع الضمير إليهما لأنه لم يقصد فقيراً بغني ، فجاء الرد عليهما : بالتثنية ، وبالتوحيد وبالجمع .

ومعنى الآية : " إن الله تعالى تقدم إلى عباده أن يقوموا بالقسط أي : بالعدل ، ولو على أنفسهم أو والديهم أو قرابتهم ولا يكونوا( {[13782]} ) كالذين قالوا لطعمة بغير القسط لقرابته منهم( {[13783]} ) .

والقسط : العدل( {[13784]} ) .

وأن لا يميلوا لفقر فقير ، ولا لغنى غني ، فيجوروا( {[13785]} ) .

( فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ) أي أحق بهما لأنه خالقهما ، ومالكهما دونكم ( فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى ) في الميل مع أحدهما . والشهادة على نفسه هو أن يقر بها عليه .

وقيل : إن الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم ، تخاصم إليه غني وفقير ، فكان ميله مع الفقير يروى( {[13786]} ) أنه لا يظلم الغني لفقره( {[13787]} ) .

وقيل : نزلت في الأمر بالشهادة بالحق ، وترك الميل مع الغني لغناه ، أو( {[13788]} ) مع فقير لفقره( {[13789]} ) .

قال ابن شهاب : كان فيما مضى من السلف الصالح تجوز شهادة الوالد لولده والأخ لأخيه ويتأولون في ذلك قول الله ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءُ لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمُ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ ) فلم يكن يتهم أحد في ذلك( {[13790]} ) من السلف الصالح ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم ، فتركت شهادة من يتهم ، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة( {[13791]} ) .

ومذهب الحسن البصري والنخعي والشعبي ، وشريح ومالك( {[13792]} ) والثوري والشافعي( {[13793]} ) وابن حنبل( {[13794]} ) أنه : لا تجوز شهادة الوالد لولده .

وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً( {[13795]} ) .

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أجازه ، وكذلك روي عن عمر بن عبد العزيز ، وبه قال إسحاق وأبو ثور والمزني( {[13796]} ) .

ومذهب مالك رضي الله عنه جواز شهادة الأخ لأخيه( {[13797]} ) إذا كان عدلاً [ إلا ]( {[13798]} ) في النسب .

وروى ابن وهب عنه : أنها لا تجوز إذا كان في عياله أو في نصيبه مال يرثه( {[13799]} ) .

ولا تجوز عند مالك شهادة الزوج والمرأة أحدهما للآخر( {[13800]} ) ، وأجازه الشافعي( {[13801]} ) . ولا تجوز شهادة الرجل المصاحب له بصلة ، أو بعطف عليه عند مالك( {[13802]} ) . وكذلك لا تجوز شهادة رجل لرجل ، والشاهد [ في عيال ]( {[13803]} ) المشهود له( {[13804]} ) ، قوله ( وَإِن تَلْوُوا )( {[13805]} ) هي مخاطبة للحكام ، فالمعنى : وإن تلووا أيها الحكام ، في الحكم لأحد الخصمين على الأخر أو تعرضوا ، فإن الله لم يزل خبيراً بما تعملون .

وقال ابن عباس : هما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي فيكون لَيُ( {[13806]} ) القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر( {[13807]} ) .

وقيل : ( {[13808]} ) هي مخاطبة للشهداء ، والمعنى أن تلووا أيها الشهداء ألسنتكم بغير الحق ، أو تعرضوا عن الحق .

وقيل : ( {[13809]} ) أو " تعرضوا " عن الشهادة فتتركوها .

وقال مجاهد : ( {[13810]} ) ( وَإِن تَلْوُوا ) تبدلوا الشهادة : ( أَوْ تُعْرِضُوا ) أي : تكتموها كذلك قال قتادة والسدي( {[13811]} ) .

قال ابن زيد : ( وَإِن تَلْوُوا ) تكتموا بعضها ، أو تعرضوا [ تكتموها ]( {[13812]} ) فتأتوا الشهادة ، تقول : أكتم عن هذا أنه مسكين ، رحمة به( {[13813]} ) . ويقول : هذا غني أتقيه ، وأرجو ما قِبَلَه ، فهو قوله ( إِنْ يَّكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ) أي : إن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيراً ، فأقيموا الشهادة عليه لأن الله أولى به( {[13814]} ) .

( فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى ) في ألا تعدلوا : ( وَإِن تَلْوُوا ) تغيروا الشهادة ( أَوْ تُعْرِضُوا ) تكتموها ( وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) مجازيكم ومن قرأ ( وَإِنْ تَلْوُوا ) بواو فيحتمل أن تكون مثل تلوا( {[13815]} ) من اللي ولكن أبدلت من الواو المضمومة همزة ، ثم ألغيت حركتها على اللام على أصل( {[13816]} ) التسهيل ، ويكون المعنى واحداً( {[13817]} ) .

ويجوز أن يكون( {[13818]} ) من الولاية( {[13819]} ) ، قال ذلك الكسائي ، فيكون المعنى وإن تلوا( {[13820]} ) شيئاً من الشهادة ، فتبلغوه على حقه ، ولا تجوروا فيه ( أَوْ تُعْرِضُوا ) أي : تتركوا تبليغه فتكتموه ، فإن الله لم يزل خبيراً بأعمالكم( {[13821]} ) .


[13775]:- ساقط من (أ).
[13776]:- (ج): أولادهما الآية.
[13777]:- النساء آية 12.
[13778]:- ساقط من (ج) (د) ومِنْ قال الأخفش... إلى السدس، من كلام الأخفش، انظر: معاني الأخفش 1/455-456. وذكره الطبري في جامعه، ولم ينسبه 5/323. ومثله ابن عطية في المحرر 4/279، وخَطَّأ النحاس ما ذهب إليه الأخفش، لأن أو لا بمعنى الواو، ولا تضمر من كما لا يضمر بعض الاسم. إعراب النحاس 1/460.
[13779]:- عزاه الطبري لقتادة في جامع البيان 5/322.
[13780]:- (د): وفقير وهو تحريف.
[13781]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 5/322.
[13782]:- (د): ولا يكون.
[13783]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 5/321.
[13784]:- يقال أقسط إذا عدل، وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار. انظر: المفردات: 418 واللسان 7/377، وحق هذا التعريف التقديم.
[13785]:- (د): فيجوزوا.
[13786]:- كذا... وهو خطأ صوابه يرى.
[13787]:- انظر: أسباب النزول: 106 ولباب النقول: 85.
[13788]:- (د): ومع.
[13789]:- جامع البيان 5/321.
[13790]:- (ج): يتهم في ذلك أحداً.
[13791]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/507.
[13792]:- انظر: المدونة الكبرى 4/80.
[13793]:- انظر: الأم للشافعي 7/49.
[13794]:- انظر: المغني لابن قدامة 12/64.
[13795]:- منهم الحنفية، قالوا: أَوِ (الْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ) فيه أمر بإقامة الشهادة على الوالدين والأقربين، ودل على جواز شهادة الإنسان على والديه، وعلى سائر أقربائه لأنهم والأجنبين في هذا الموضع بمنزلة واحدة. انظر: أحكام الجصاص 2/284، والمغني لابن قدامة 12/66.
[13796]:- انظر: مختصر المزني مع كتاب الأم للشافعي 8/413.
[13797]:- انظر: المدونة الكبرى 4/80.
[13798]:- ساقط من (أ).
[13799]:- انظر: المدونة الكبرى 4/80.
[13800]:- المصدر السابق.
[13801]:- انظر: الأم للشافعي 8/413.
[13802]:- انظر: المدونة الكبرى 4/80.
[13803]:- ساقط من (ج).
[13804]:- المدونة الكبرى 4/81.
[13805]:- يقال: لويت فلاناً حقه إذا دفعته عنه، وتلوون ألسنتكم بالشهادة أي: تدخلون فيها ما يبطلها، أو تعرض عنها فلا تشهدوها. انظر: مجاز القرآن 1/141 وتفسير الغريب 136، والمفردات 488.
[13806]:- (د): غير.
[13807]:- جامع البيان 5/323.
[13808]:- عزاه الطبري لابن عباس. انظر: جامع البيان 5/323.
[13809]:- انظر: المصدر السابق.
[13810]:- انظر: تفسير مجاهد 1/178.
[13811]:- انظر: جامع البيان 5/324.
[13812]:- ساقط من (أ).
[13813]:- (ج): رحمة له.
[13814]:- انظر: جامع البيان 5/324.
[13815]:- (د): تلوا.
[13816]:- (أ): والأصل.
[13817]:- قرأ حمزة وابن عامر، ويحيى بن وثاب، والأعمش تلوا بضم اللام وبواو واحدة، من ولى يلي ولاية، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم تلووا بكسر اللام وضم اواو الأولى من لوى يلوي لياً، ولما كان من قرأ تلو بالضم ومعناه الإعراض، لأن اللي في الشيء العوج فيه، والعوج في الحق الإعراض عن إقامته، وهذا ما تفيده القراءة بواوين أيضاً، فتكون القراءة بضم اللام كالقراءة بسكونها. انظر: تأويل المشكل: 62، والسبعة 238، والكشف 1/397. على أن الأخفش يرى أن تلو بضم اللام إن كانت لغة فهي لحن، معاني الأخفش 1/456، واعتبر النحاس أن ذلك ليس بلازم، إعراب النحاس 1/461.
[13818]:- (د): أن تيكون.
[13819]:- ذهب الأخفش وابن قتيبة إلى أن الولاية لا معنى لها هنا، لأن ولاية الشيء الإقبال عليه، ونقيضه الإعراض، فإنما قيل لهم وإن تلوا الأمر، فيعدلوا فيه، أو تعرضوا عنه، فلا تلوه، ولا تعدلوا فيه إن وليتموه، (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)، لأنه حمل تلوا على تلوا في قراءة واحدة، والمعنى وأخذ بدليل ما بعده، وهو أن تعرضوا. انظر: معاني الأخفش 1/456 وتأويل المشكل: 62.
[13820]:- (د): تلووا.
[13821]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الزجاج 2/118.