تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

الآية 135

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } الآية : عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ) {[6650]} قال : ( كونوا قوامين بالعدل في الشهادة على ما كانت من قريب أو بعيد ، ولو على ( أنفسكم فأقروا ){[6651]} بها ) .

وكذلك قال عامة أهل التأويل : قوله تعالى : { قوامين } قوالين لله ؛ يقول{[6652]} : في كل عمل وقول يلزم أن يقوم ( المرء به ) {[6653]} لله ، ويجعل الشهادة له . فإذا فعل هكذا لا يمنعه عن القيام بها قرب أحد ولا بعده ولا ( ما ){[6654]} يحصل على نفسه أو والديه .

وكذلك قال الله تعالى في آية أخرى : { وأقيموا الشهادة لله } ( الطلاق : 2 ) فإذا جعلها ( المر ){[6655]} لله عز وجل لم يجعلها لمخلوق أمكن له القيام بها ، وإن كان على نفسه أو من ذكر .

ثم ما يمنع القيام بها مختلف : أما على نفسه( فلنفع يطمع به ){[6656]} أي لدفع ضرر يدفعه {[6657]}بذلك ، وأما على الوالدين بالاحتشام ، يحتشم{[6658]} منهما ، فيمتنع عن أداء ما عليه ، وأما ( على ){[6659]} القرابة فطلب الغنى لهم ودفع الفقر عنهم ، فأخبر أنه{ أولى بهما } فلا يمنعك عني أحد منهم ولا فقره القيام بها وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه في تأويل هذه الآية .

وقوله تعالى : { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } قيل : { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } وتعملوا لغر الله . وقيل : { فلا تتبعوا الهوى } كراهة{ أن تعدلوا } عن الحق من الصرف بالعدول .

وقوله تعالى : { وإن تلوا أن تعرضوا } فيه لغتان {[6660]} : تلوا بواو واحدة من الولاية ، يقول : كونوا عاملين لله وقائلين له مؤدين بالشهادة له ، وإن كنتم وليتم ذلك . وقيل : { تلوا } بواوين من التحريف ؛ يقول : لا تتبعوا الهوى ، ولا تحرفوا الشهادة ، ولا تعرضوا عنها . وتكتموها .

وفي حرف حفصة رضي الله عنها : إن يكونوا أغنياء أو فقراء فالله{ أولى بهما } وعن قتادة رضي الله عنه ( أنه قال في قوله تعالى : ){[6661]} { فالله أولى بهما } الله أولى بغناكم وفقركم ، فلا يمنعكم غني غني أن{ تشهدوا عليه لحق علمتموه ، أو أمر ثبت لفقير أن تشهدوا له لحق علمتوه }{[6662]} . وفي حرف حفصة رضي الله عنها : وإن تلوا{ أو تعرضوا } وهو من الولاية التي ذكرنا . وقيل : { تلوا } من التحريف وطلب الإبطال . وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه : { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } بين الناس ، وهو من العدل على ما ذكرنا . وقال بعضهم : هو من الصرف والعدول عن الحق .

وقوله تعالى : { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } خرج على الوعيد على كل ما ذكر : منع الشهادة والقيام لله بها وتحريف ما لزم ، وبالله العصمة .

وبمثل ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقم شهادته على ما كانت " ( بنحوه ابن جرير الطبري في تفسيره : 5/322 ) . و : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجحد حقا هو عليه ، وليؤده عفوا ، ولا يلجئه إلى سلطان ولا إلى خصومه ليقطع بها حقه " و : " أي ما رجل خاصم إلي ، فقضيت له على أخيه ليس هو إليه ، فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من جهنم " ( البخاري : 2458 ) .

وفي خبر آخر : " يا ابن آدم أقم الشهادة ( ولو على نفسك أو على ذي قرابتك ، فإنما الشهادة ) {[6663]} لله ، وليست للناس ، إن الله رضي العدل والإسقاط لنفسه ، والعدل ميزان الله في الأرض ؛ يرد على المظلوم من الظالم وعلى الضعيف من الشديد وعلى المحق من المبطل ، وبالحق يصدق الله الصادق ، ويكذب الله الكاذب ، ويرد المعتدي ، وبالعدل أصلح الله الناس " ( ابن جرير الطبري في تفسيره : 5/322 ) .


[6650]:ساقطة من الأصل وم.
[6651]:في الأصل وم: نفسه فأقر.
[6652]:أدرج قبلها في الأصل وم: لكن.
[6653]:ساقطة من الأصل وم.
[6654]:من م، ساقطة من الأصل.
[6655]:ساقطة من الأصل وم.
[6656]:في الأصل وم: لنفع.
[6657]:في الأصل وم: يدفع.
[6658]:في الأصل وم: ويحتشم.
[6659]:ساقطة من الأصل وم.
[6660]:قرأ حمزة وابن عامر بواو واحدة وقرأ الباقون بواوين، أنظر حجة القراءات ص(235).
[6661]:في الأصل وم: يقول، مدرجة بعد قوله تعالى:{فالله أولى بهما}.
[6662]:في الأصل وم: تشهد عليه لحق علمته ولأمر ثبت لفقير أن تشهد عليه لحق علمته.
[6663]:من م، ساقطة من الأصل.