قوله تعالى : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } ، قيد الطيران بالجناح تأكيداً ، كما يقال : نظرت بعيني ، وأخذت بيدي .
قوله تعالى : { إلا أمم أمثالكم } ، قال مجاهد : أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يريد أن كل جنس من الحيوان أمة ، فالطير أمة ، والدواب أمة ، والهوام أمة والذباب أمة ، والسباع أمة ، تعرف بأسمائها ، مثل بني آدم ، يعرفون بأسمائهم ، يقال : الإنس والناس . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أنا المبارك هو ابن فضالة ، عن الحسن ، عن عبد الله بن مغفل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ) . وقيل : { أمم أمثالكم } يفقه بعضهم عن بعض ، وقيل : أمم أمثالكم في الخلق والموت والبعث ، وقال عطاء : أمم أمثالكم في التوحيد والمعرفة ، وقال ابن قتيبة : أمم أمثالكم في الغذاء ، وابتغاء الرزق ، وتوقي المهالك .
قوله تعالى : { ما فرطنا في الكتاب } ، أي : في اللوح المحفوظ .
قوله تعالى : { من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } ، قال ابن عباس والضحاك : حشرها موتها ، وقال أبو هريرة : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والدواب ، والطير ، وكل شيء ، فيقتص للجماء من القرناء ، ثم يقول : كوني تراباً ، فحينئذ يتمنى الكافر ويقول : { يا ليتني كنت تراباً } .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنا أبو الحسن الطيسفوني ، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنا أحمد بن علي الكشميهني ، أنا علي ابن حجر ، أنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لتردن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة ، حتى يقاد للشاة الجماء من القرناء ) .
وقوله : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } قال مجاهد : أي أصناف مُصَنَّفة تُعرَف بأسمائها . وقال قتادة : الطير أمة ، والإنس أمة ، والجن أمة . وقال السُّدِّي : { إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } أي : خلق أمثالكم .
وقوله : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } أي : الجميع علمهم عند الله ، ولا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه وتدبيره ، سواء كان بريًا أو بحريًا ، كما قال : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود : 6 ] ، أي : مُفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها ، وحاصر لحركاتها وسكناتها ، وقال [ الله ]{[10669]} تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ العنكبوت : 60 ]
وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد ، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان ، حدثنا محمد بن المُنْكَدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : قَلّ الجراد في سنة من سِني عمر ، رضي الله عنه ، التي ولي فيها ، فسأل عنه فلم يخبر بشيء ، فاغتم لذلك . فأرسل راكبًا إلى كذا ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى العراق يسأل : هل رؤى من الجراد شيء أم لا ؟ فأتاه{[10670]} الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة جراد{[10671]} فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ثلاثًا ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خَلَق الله ، عَزَّ وجل ، ألف أُمَّة ، منها ستمائة في البحر ، وأربعمائة في البرِّ . وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه{[10672]} .
وقوله { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس في قوله : { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال : حَشْرها الموتُ .
وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل عن{[10673]} سعيد ، عن مسروق ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : موتُ البهائم حَشْرُها . وكذا رواه العُوفِيّ ، عنه .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد والضحاك ، مثله .
والقول الثاني : إن حشرها هو بعثها يوم القيامة كما قال تعالى : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } [ التكوير : 5 ]
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن مُنْذِر الثوري ، عن أشياخ لهم ، عن أبي ذرٍّ ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان ، فقال : " يا أبا ذر ، هل تدر فِيمَ تنتطحان ؟ " قال : لا . قال " لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما " {[10674]}
ورواه عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الأعمش ، عمن ذكره عن أبي ذر قال : بينا أنا{[10675]} عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عَنزان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدرون فِيمَ انتطحتا ؟ " قالوا : لا ندري . قال : " لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما " . رواه ابن جرير ، ثم رواه من طريق منذر الثوري ، عن أبي ذر ، فذكره وزاد : قال أبو ذر : ولقد تَرَكَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يُقَلِّب طائر بجناحيه في السماء إلا ذكرنا منه عِلمًا{[10676]}
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه : حدثني عباس بن محمد وأبو يحيى البزار قالا حدثنا حجاج بن نُصير ، حدثنا شُعْبَة ، عن العَوَّام بن مَراجم{[10677]} - من بني قيس بن ثعلبة - عن أبي عثمان النَّهْدي ، عن عثمان ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الجَمَّاء لتقتص من القرناء يوم القيامة " {[10678]}
وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن جعفر بن بُرْقَان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة في قوله : { إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال : يحشر الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والدواب والطير وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجمَّاء من القرناء . قال : ثم يقول : كوني ترابًا . فلذلك يقول الكافر : { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } [ النبأ : 40 ] ، وقد روي هذا مرفوعًا في حديث الصور{[10679]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.