الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يُحۡشَرُونَ} (38)

قوله : { وما من دابة في الأرض } الآية [ 39 ] .

المعنى : أنه ليس طائر يطير ولا دابة إلا وقد أحصى الله عملها{[19743]} وآثارها وحركاتها{[19744]} ، فهي تتصرف{[19745]} – كما يتصرفون – فيما سخرت{[19746]} له ، ومحفوظا عليها ما عملت من عمل ، لها وعليها ، حتى يجازى ( به ){[19747]} يوم القيامة ، لم تخلق عبثا ، فمن أحصى أعمال الطير وجميع البهائم هو قادر على إحصاء{[19748]} أعمالكم وتصرفكم أيها العادلون بالله{[19749]} .

ومعنى { إلا أمم أمثالكم } أي : يعرفون الله ويعبدونه{[19750]} .

والأمم : الأجناس{[19751]} .

وقال ابن جريج : { أمم أمثالكم } أي : ( أصناف مصنفة تعرف بأسمائها ){[19752]} .

قال أبو هريرة : ما من دابة في الأرض ولا طائر إلا سيحشر يوم القيامة ثم يقتص{[19753]} لبعضها من بعض ، حتى ( يقتص للجماء ){[19754]} من ذات القرن ، ثم يقال لها : كوني ترابا ، فعند ذلك { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا }{[19755]} . وإن شئتم فاقرأوا : { وما من دابة في الأرض ( ولا طائر ){[19756]} يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } إلى { يحشرون } .

ومعنى : { يطير بجناحيه } – وقد علم أنه لا يطير إلا بهما - : أن هذا كلام جرى على عادة العرب في لغاتها{[19757]} في التأكيد{[19758]} ، فخوطبوا بما يعلمون{[19759]} أنه مستعمل عند العرب ، ( ( تقول العرب ){[19760]} : ( مشيتُ إليه برجلي ) و( كلمته بفمي ){[19761]} فوكد{[19762]} الطيران ( ( بقوله ) ){[19763]} : ( بجناحيه ) على ذلك{[19764]} .

وقيل : لما كانت العرب تستعمل لفظ ( الطيران ) في غير الطائر ، فتقول لمن ترسله في حاجة : ( طِرَفي حاجتي ) ، تريد ( أسرع ){[19765]} . ويقولون : ( كاد الفرس يطير ) إذا أسرع في جريه ، فيعبِّرون بالطيران عما ليس له جناحان ، ففرق بذكر الجناحين بين المعنيين{[19766]} .

ويكون ( الطائر ) عمل الإنسان اللازم له من خير وشر{[19767]} . ويكون ( الطائر ) من السعد والنحس{[19768]} ، كقوله : { طائركم عند الله }{[19769]} ، فبين في الآية{[19770]} /{[19771]} . أنه الطائر الذي يطير بجناحيه ، لا غير{[19772]} .

وقيل : معنى { ( إلا أمم ){[19773]} أمثالكم } أي : خلقهم ودبّرهم ورزقهم وكتب{[19774]} آثارهم وآجالهم كما فعل بكم{[19775]} .

( و ){[19776]} قوله : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } أي : قد دللنا على كل شيء من أمر الدين في القرآن ، إما دلالة مشروحة ، وإما مجملة{[19777]} .

قال ابن عباس : ( ما تركنا شيئا إلا قد{[19778]} كتبناه في أم الكتاب ){[19779]} ، يعني اللوح المحفوظ مما يكون وكان .

وقيل : المعنى : أن آثار هذه الأمم{[19780]} وآجالها وأرزاقها ، كل مكتوب عند الله ، فلم يفرط فيه في الكتاب الذي عنده ، كل مكتوب فيه{[19781]} .

ف( الكتاب ) على هذا القول والذي قبله : هو اللوح المحفوظ{[19782]} و( الكتاب ) في القول الأول : هو القرآن{[19783]} .

وروي أن النبي عليه السلام قال : " إن الله قد حد حُدوداً{[19784]} فلا تنتهكوها{[19785]} ، وسنَّ سُنناً{[19786]} فلا تعتدوها{[19787]} ، وسكت عن أشياء – لم يدَعْها نِسياناً ، كانت رحمة من الله – فَاقْبلَوها{[19788]} .

وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس : " الأمور{[19789]} ثلاثة – يا ابن عباس – أمر بَانَ لك رُشدُه فاتَّبِعْه ، وأمر بان لك غيُّه فاجتنبه ، وأمرٌ غاب عنك فكِلْهُ إلى الله عز وجل " .

وقيل المعنى : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } مما يحتاجون إليه ، يعني القرآن{[19790]} . وقوله : { ثم إلى ربهم يحشرون } قال ابن عباس : ( موت البهائم : حشرها ){[19791]} . قال الفراء : ( حشرها : موتها ، ثم تحشر{[19792]} مع الناس فيقال لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يتمنى الكافر أنه كان تراباً ){[19793]} . وقيل : الحشر هنا : الجمع يوم القيامة{[19794]} .

وروي أن عنزين انتطحا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتدرون فيما{[19795]} انتطحا{[19796]} ؟ " ، قالوا : لا ندري . قال : " لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما " {[19797]} .


[19743]:مطموسة في أ. ج د: عملها.
[19744]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ج د: حركتها.
[19745]:مطموسة في أ. ب: تنصرف.
[19746]:مطموسة في أ. د: سحرت.
[19747]:ساقطة من ج د.
[19748]:مطموسة في أ. ب: أحصى.
[19749]:انظر: تفسير الطبري 11/344
[19750]:انظر: تفسير الطبري 11/343، وإعراب النحاس 1/545.
[19751]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/191، وتفسير الطبري 11/344.
[19752]:عزاه الطبري في تفسيره 11/345 إلى مجاهد. وكذا في أحكام القرطبي 6/420.
[19753]:ب: يقتضي.
[19754]:مخرومة في أ.
[19755]:النبأ آية 40. وانظر: تفسير الطبري 11/347.
[19756]:ساقطة من د.
[19757]:مطموسة في أ. د: لغتها.
[19758]:انظر: معاني الزجاج 2/245، وإعراب الكبري 493، واللسان: طير.
[19759]:مطموسة في أ. ب: يعلمون.
[19760]:ساقطة من ج د.
[19761]:ب: يعصى. (إبلاغا في الكلام) معاني الفراء 1/332.
[19762]:مطموسة في أ.
[19763]:ساقط من ج د.
[19764]:انظر: تفسير الطبري 11/349.
[19765]:انظر: معاني الزجاج 2/245، وإعراب الكبري 493، واللسان: طير.
[19766]:انظر: اللسان: طير.
[19767]:انظر: المحرر 6/47.
[19768]:انظر: أحكام القرطبي 6/419.
[19769]:النمل آية 49. وانظر: اللسان: طير.
[19770]:ب: الآيات.
[19771]:كلها مطموسة إلا نادرا مع بعض الخرم.
[19772]:ب ج د: غيره. وانظر: المحرر 6/47.
[19773]:ب: الأمم.
[19774]:ب: كنت.
[19775]:انظر: تفسير الطبري 11/344، ومعاني الزجاج 2/245، وإعراب النحاس 1/546.
[19776]:مطموسة في أ. ساقطة من ج د.
[19777]:انظر: إعراب النحاس 1/546.
[19778]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ج د: وقد.
[19779]:انظر: تفسير الطبري 11/345.
[19780]:الظاهر من لطمس في (أ) أنها كما أثبت. ج د: الامة.
[19781]:انظر: تفسير الطبري 11/344.
[19782]:انظر: تفسير الطبري 11/345، 346، والمحرر 6/48.
[19783]:انظر: المحرر 6/48.
[19784]:ب: حدود.
[19785]:ج: تنهكوها.
[19786]:د: سنا.
[19787]:ب: تعبدوها.
[19788]:نحوه بلفظ يعقوب في سنن الدارقطني: آخر كتاب الرضاع 4/184، وانظر: كذلك جمع الاصول 5/59.
[19789]:مطموسة في أ. ب: الأمر.
[19790]:انظر: التفسير الكبير 12/215.
[19791]:تفسير الطبري 11/346.
[19792]:ب: نحشر. مطموسة في أ.
[19793]:معانيه 1/332 وفيه: (وعند ذلك بدلا من (فعند ذلك).
[19794]:هو قول أبي هريرة في تفسير الطبري الذي أورد حديثين في الباب 11/347، 348.
[19795]:مطموسة في أ. ب: فيم.
[19796]:ج: النطحا.
[19797]:تفسير الطبري 11/348.