قوله : { وما من دابة في الأرض } الآية [ 39 ] .
المعنى : أنه ليس طائر يطير ولا دابة إلا وقد أحصى الله عملها{[19743]} وآثارها وحركاتها{[19744]} ، فهي تتصرف{[19745]} – كما يتصرفون – فيما سخرت{[19746]} له ، ومحفوظا عليها ما عملت من عمل ، لها وعليها ، حتى يجازى ( به ){[19747]} يوم القيامة ، لم تخلق عبثا ، فمن أحصى أعمال الطير وجميع البهائم هو قادر على إحصاء{[19748]} أعمالكم وتصرفكم أيها العادلون بالله{[19749]} .
ومعنى { إلا أمم أمثالكم } أي : يعرفون الله ويعبدونه{[19750]} .
والأمم : الأجناس{[19751]} .
وقال ابن جريج : { أمم أمثالكم } أي : ( أصناف مصنفة تعرف بأسمائها ){[19752]} .
قال أبو هريرة : ما من دابة في الأرض ولا طائر إلا سيحشر يوم القيامة ثم يقتص{[19753]} لبعضها من بعض ، حتى ( يقتص للجماء ){[19754]} من ذات القرن ، ثم يقال لها : كوني ترابا ، فعند ذلك { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا }{[19755]} . وإن شئتم فاقرأوا : { وما من دابة في الأرض ( ولا طائر ){[19756]} يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } إلى { يحشرون } .
ومعنى : { يطير بجناحيه } – وقد علم أنه لا يطير إلا بهما - : أن هذا كلام جرى على عادة العرب في لغاتها{[19757]} في التأكيد{[19758]} ، فخوطبوا بما يعلمون{[19759]} أنه مستعمل عند العرب ، ( ( تقول العرب ){[19760]} : ( مشيتُ إليه برجلي ) و( كلمته بفمي ){[19761]} فوكد{[19762]} الطيران ( ( بقوله ) ){[19763]} : ( بجناحيه ) على ذلك{[19764]} .
وقيل : لما كانت العرب تستعمل لفظ ( الطيران ) في غير الطائر ، فتقول لمن ترسله في حاجة : ( طِرَفي حاجتي ) ، تريد ( أسرع ){[19765]} . ويقولون : ( كاد الفرس يطير ) إذا أسرع في جريه ، فيعبِّرون بالطيران عما ليس له جناحان ، ففرق بذكر الجناحين بين المعنيين{[19766]} .
ويكون ( الطائر ) عمل الإنسان اللازم له من خير وشر{[19767]} . ويكون ( الطائر ) من السعد والنحس{[19768]} ، كقوله : { طائركم عند الله }{[19769]} ، فبين في الآية{[19770]} /{[19771]} . أنه الطائر الذي يطير بجناحيه ، لا غير{[19772]} .
وقيل : معنى { ( إلا أمم ){[19773]} أمثالكم } أي : خلقهم ودبّرهم ورزقهم وكتب{[19774]} آثارهم وآجالهم كما فعل بكم{[19775]} .
( و ){[19776]} قوله : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } أي : قد دللنا على كل شيء من أمر الدين في القرآن ، إما دلالة مشروحة ، وإما مجملة{[19777]} .
قال ابن عباس : ( ما تركنا شيئا إلا قد{[19778]} كتبناه في أم الكتاب ){[19779]} ، يعني اللوح المحفوظ مما يكون وكان .
وقيل : المعنى : أن آثار هذه الأمم{[19780]} وآجالها وأرزاقها ، كل مكتوب عند الله ، فلم يفرط فيه في الكتاب الذي عنده ، كل مكتوب فيه{[19781]} .
ف( الكتاب ) على هذا القول والذي قبله : هو اللوح المحفوظ{[19782]} و( الكتاب ) في القول الأول : هو القرآن{[19783]} .
وروي أن النبي عليه السلام قال : " إن الله قد حد حُدوداً{[19784]} فلا تنتهكوها{[19785]} ، وسنَّ سُنناً{[19786]} فلا تعتدوها{[19787]} ، وسكت عن أشياء – لم يدَعْها نِسياناً ، كانت رحمة من الله – فَاقْبلَوها{[19788]} .
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس : " الأمور{[19789]} ثلاثة – يا ابن عباس – أمر بَانَ لك رُشدُه فاتَّبِعْه ، وأمر بان لك غيُّه فاجتنبه ، وأمرٌ غاب عنك فكِلْهُ إلى الله عز وجل " .
وقيل المعنى : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } مما يحتاجون إليه ، يعني القرآن{[19790]} . وقوله : { ثم إلى ربهم يحشرون } قال ابن عباس : ( موت البهائم : حشرها ){[19791]} . قال الفراء : ( حشرها : موتها ، ثم تحشر{[19792]} مع الناس فيقال لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يتمنى الكافر أنه كان تراباً ){[19793]} . وقيل : الحشر هنا : الجمع يوم القيامة{[19794]} .
وروي أن عنزين انتطحا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتدرون فيما{[19795]} انتطحا{[19796]} ؟ " ، قالوا : لا ندري . قال : " لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما " {[19797]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.