اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يُحۡشَرُونَ} (38)

قوله : { وَمَا مِن دَابَّةٍ } : " من " زائدة لوجود الشرطين ، وهي مبتدأ ، و " إلاَّ أمم " خَبَرُهَا مع ما عطف عليها .

وقوله : " في الأرض " صفة ل " دابة " ، فيجوز لك أن تجعلها في مَحَلِّ جرِّ باعتبار اللفظ ، وأن تجعلها في محل رفع باعتبار الموضع .

قوله : " ولا طائر " الجمهور{[13775]} على جرِّه نَسَقاً على لفظ " دابةٍ " .

وقرأ{[13776]} ابن أبي عَبْلَةَ برفعها نَسَقاً على موضعها .

وقرأ{[13777]} ابن عبَّاس " ولا طيرٍ " من غير ألف ، وقد تقدَّم الكلام فيه ، هل هو جَمْعٌ أو اسم جمع ؟

وقوله : { يطير } في قراءة الجمهور يَحْتَمِلُ أن يكون في مَحَلِّ جرّ باعتبار لَفْظِهِ ، ويحتمل أن يكون في مَحَلِّ رفع باعتبار موضعه .

وأمّا على قراءة ابن أبي عَبْلَةَ ، ففي مَحَلِّ رفع ليس إلاّ .

وفي قوله : " وَلاَ طَائر " ذكر خاصّ بعد عامٍّ ؛ لأن الدَّابَّةَ تشتمل على كُلِّ ما دَبَّ من طائرٍ وغيره ، فهو كقوله : { وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ } [ البقرة :98 ] وفيه نظر ؛ إذ المُقَابَلَةُ هنا تنفي أن تكون الدَّابة تشمل الطائر .

قوله : " بِجَنَاحَيْهِ " فيه قولان :

أحدهما : أن " الباء " متعلّقة ب { يطير } ، وتكون " الباء " للاسْتِعَانَةِ .

والثاني : أن تتعلَّق بمحذوف على أنها حالٌ ، وهي حالٌ مؤكّدة كما يقال : " نظرت عيني " ، وفيها رفع مجازٍ يُتَوَهَّمُ ؛ لأن الطَّيرانَ يُسْتَعَارُ في السرعة قال : [ البسيط ]

قَوْمٌ إذَا الشَّرُّ أبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ *** طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ ووُحْدَانَا{[13778]}

ويطلق الطَّيْرُ على العمل ، قال تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء :13 ] .

وقوله : " إلاّ أمم " خَبَرُ المبتدأ ، وجُمِعَ وإن لم يتقدَّمهُ إلاَّ شيئان ؛ لأن المراد بهما الجِنْسُ .

و " أمثالكم " صفة ل " أمم " ، يعني أمثالهم في الأرزاقِ والآجالِ ، والموت والحياة ، والحشر والنشر والاقتصاص لمظلومها من ظالمها .

وقيل : في معرفة الله وعبادته .

وقال مُجاهد : أصْنَافٌ مصنّفةٌ تُعْرَفُ بأسمائها ، يريد أن كلّ جنسٍ من الحيوان أمَّةٌ : فالطير أمَّة ، والدَّوابُّ أمَّة ، والسِّبَاع{[13779]} أمة ، تعرف بأسمائها مثل بَنِي آدَمَ يُعْرَفُون بأسمائهم ، يقال : الإنس والناس ، قال عليه الصلاة والسلام : " لَوْلاَ أنَّ الكِلابَ أمَّةٌ من الأمَم لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا فاقْتُلُوا مِنْهَا أسْوَدَ بهيمٍ " {[13780]} .

وقيل : أمثالكم يَفْقَهُ بعضهم عن بعض .

فصل في وجه النظم

وجه النظم أنه -تعالى- بَيَّنَ في الآية أنَّه لو كان إنْزَالُ سائر المعجزات مَصْلَحَةً لهم لفعلها إلاَّ أنه لمَّا لم يَكُنْ إظهارها مَصْلَحَةً للمكلَّفين لم يظهرها ، وهذا الجوابُ إنما يَتِمُّ إذا ثبت أنه تعالى يُرَاعي مصالحَ المكلَّفين ، ويَتفضَّلُ عليهم بذلك ، فبيَّن ذلك وقرَّره بأن قال : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ، وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } في وصول فَضْلِ الله -تعالى- وعنايتِهِ ، ورحمته ، وإحسانه إليهم ، وذلك كالأمر المُشَاهَدِ المَحْسُوسِ ، فإذا كانت آثار عِنَايَتِهِ واصِلَةً إلى جميع الحيواناتِ ، فلو كان إظهار هذه المُعْجِزَاتِ مَصْلَحةً للمكلفين لفعلها ولم يَبْخَلْ بها ؛ لأنه لم يَبْخَلْ على شيءٍ من الحيوانات بمَصَالِحهَا ومَنَافعِهَا ؛ يَدُلُّ ذلك على أنَّه -تعالى- لم يظهر تلك المعجزات ؛ لأن إظهارها يُخِلُّ بمصالحِ المكلّفين{[13781]} .

وقال القاضي : إنّه -تعالى- لمّا قَدَّمَ ذكر الكُفَّار وبيَّن أنهم يرجعون إلى الله ، ويحشرون - بيَّن أيضاً بعدهُ - بقوله : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ، وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } - في أنهم يحشرون ، والمقصود بيان أن الحَشْرَ والبَعْثَ كما هو حَاصِلٌ في حقكم ، كذلك هو حاصل في حق البَهَائِمِ{[13782]} .

فصل في أسئلة على الآية والإجابة عنها

حصر الحيوان في هاتين الصفتين ، وهما : إمَّا أن يَدبّ ، وإمّا أن يطير .

وفي الآيات سُؤالاتٌ :

الأول : من الحيوانات ما لا يَدْخُلُ في هذيْنِ القِسْمَيْنِ مثل حيتانِ البَحْرِ ، وسائر ما يَسْبَحُ في الماءِ ، ويعيش فيه .

والجواب لا بد أنْ يُوصَفَ بأنها دَابَّةٌ ، من حيث إنها تَدبُّ في الماء ؛ لأن سَبْحَهَا في الماء كَسَبْحِ الطير في الهواءِ ، إلا أن وَصْفَهَا بالدَّبِّ أقرب إلى اللُّغَةِ من وصفها بالطيران .

السؤال الثاني : ما الفَائِدَةُ في تقييد الدَّابَّةِ بكونها في الأرض ؟

والجواب من وجهين :

أحدهما : أنَّه خَصَّ ما في الأرض بالذِّكْرِ دون ما في السماء احْتِجَاجاً بالأظْهَرِ ؛ لأن ما في السماء وإن كان مَخْلُوقاً مثلنا فغير ظَاهِرٍ .

والثاني : أن المقصود من ذِكْرِ هذا الكلام أن عناية الله لمَّا كانت حَاصِلَةً في هذه الحيوانات ، فلو كان إظهارُ المعجزات القاهِرَةِ مَصْلَحَةً لما منع الله من إظهارها ، وهذا المقْصُودُ إنما يَتِمُّ بذِكْرِ من كان أدْوَنَ مرتبة من الإنسان ، لا بِذِكْرِ من كان أعْلَى حالاً منه ، فلهذا المعنى قَيَّد الدَّابَّة بكونها في الأرض .

السؤال الثالث : ما الفائدة في قوله : " يطير بجَنَاحَيْهِ " مع أن كل طائر فإنما يطير بجناحيه ؟

والجواب : ما تقدَّم من ذِكْرِ التوكيد أو رفع تَوَهُّمِ المجازِ .

وقيل : إنه -تعالى- [ قال ]{[13783]} في صفة الملائكة { رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } [ فاطر :1 ] ، فذكر [ هاهنا ]{[13784]} قوله : " بِجَنَاحَيْهِ " ليخرج عنه الملائكة ، لِمَا بينَّا أن المقصود من هذا الكلامِ إنما يَتمُّ بذكر من كان أدْوَنَ حالاً من الإنسان لا بِذِكْرِ من كان أعْلَى منه .

السؤال الرابع : كيف قال : " إلاَّ أممٌ " مع إفراد الدَّابَّةِ والطائر ؟

والجواب : ما تقدَّم من إرادةِ الجِنْسِ .

قوله : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء } : في المراد ب " الكتاب " قولان :

الأول : المُرَاد به اللَّوْحُ المَحْفُوظُ ، قال عليه الصلاة والسلام :

جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ " {[13785]} ، وعلى هذا فالعموم ظاهرٌ ، لأن الله -تعالى- أثْبَتَ ما كان وما يكون فيه .

والثاني : المراد به القرآن ؛ لأنَّ الألف واللام إذا دخلا على الاسم المُفْرَدِ انْصَرَفَ إلى المفهوم السَّابق ، وهو في هذه الآية القرآن .

وعلى هذا فهل العُمُومُ بَاقٍ ؟ منهم من قال : نعم وإن جميع الأشياء مُثْبَتَةٌ في القرآن إمَّا بالصريح ، وإمَّا بالإيمَاءِ{[13786]} .

فإن قيل : كيف قال الله تعالى : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } مع أنه ليس فيه تَفَاصيل علم الطب وعلم الحِسَاب ، ولا تَفَاصِيلُ كثيرٍ من المباحثِ والعلوم ، ولا تفاصيل مذاهبِ النَّاسِ ، ودلائلهم في علم الأصولِ والفروع ؟

والجواب أن قوله { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } يجب أن يكون مَخْصُوصاً ببيانِ الأشياءِ التي يجب مَعْرَفَتُهَا والإحَاطَةُ بها ، واعلم أن علم الأصُول مَوْجُودٌ بتمامه في القرآن على أبْلَغِ الوجوه ، وأما تفاصِيلُ الأقاويل والمذاهب ، فلا حاجة إليها .

وأمّا تفاصيل الفروع فالعُلَمَاءُ قالوا : إن القرآن دَلَّ على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس حُجَّةٌ في الشريعة ، وإذا كان كذلك فَكُلُّ ما دَلَّ عليه أحد هذه الأصول الثلاثة كان ذلك في الحقيقة موجوداً في القرآن قال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ } [ الحشر :7 ] .

وقال عليه الصلاة والسلام : " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفَاءِ الرَّاشدينَ مِنْ بَعْدِي " {[13787]} .

وروي أن ابن مسْعُودٍ كان يقول : " مَا لِي لاَ ألْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ " {[13788]} يعني : الوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ ، والوَاصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ ، وروي أنَّ امرأة قرأت جميع القرآن ثم أتَتْهُ فقالت : يا ابن أمّ عَبْدٍ ، تَلَوْتُ البارحة ما بين الدَّفَّتيْنِ ، فلم أجد فيه لَعْنَ الواشمة ، والمستوشمة ، فقال : لو تَلَوْتيه لوجدْتيهِ ، قال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ }

[ الحشر :7 ] ، وإن مما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : " لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ " {[13789]} .

وقال ابن الخطيب{[13790]} : يمكن وجدانُ هذا المعنى في كتاب الله في قوله تعالى في سورة " النساء " حين عَدَّدَ قبائح الشيطان قال :

{ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [ النساء :119 ] فَظَاهِرُ هذه الآية يقتضي أن تغيير الخَلْقِ يوجب اللَّعْنَ .

وذكر الواحدي{[13791]} أن الشَّافعي جلس في المسجد الحرام فقال : لا تسألوني عن شَيْءٍ إلاّ أجبتكم فيه من كتاب الله ، فقال رجل : ما تقول في المُحْرِمِ إذا قتل الزَّنْبُورَ ؟ ، فقال : لا شَيْءَ عليه ، فقال : أين هذا في كتاب الله ؟ ، فقال : قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } [ الحشر :7 ] ، ثم ذكر سَنَداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفَاءِ الرَّاشدينَ مِنْ بَعْدِي " {[13792]} ، ثم ذكر إسْنَاداً إلى عُمَرَ أنه قال : " لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الزَّنْبُورِ " {[13793]} .

قال الواحديُّ{[13794]} : فأجابه من كتاب الله مُسْتنبطاً بثلاث درجات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العسيفِ : " والَّذي نَفْسِي بِيدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ " {[13795]} ثم قضى بالجَلْدِ والتَّغْرِيبِ على العسيفِ ، وبالرجم على المَرْأةِ إذا اعترفت .

قال الواحدي{[13796]} : وليس لِلْجَلْدِ والتَّغْريبِ ذكرٌ في نَصِّ الكتاب{[13797]} ، وهذا يَدُلُّ على أن ما جاءكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عَيْنُ كتاب الله . قال تعالى : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44 ] ، وعند هذا يَصِحُّ قوله تعالى : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء } والله أعلم .

وقال بعضهم : إن هذا عامُّ أُرِيدَ به الخُصوصُ ، والمعنى ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ يحتاج إليه المُكَلَّفُونَ .

قوله : " من شيءٍ " فيه ثلاثةُ أوجه :

أحدها : أن " مِنْ " زائدة في المفعول به ، والتقدير : ما فرَّطْنا شَيْئاً ، وتضمن " فرطنا " معنى تركنا وأغفَلْنَا ، والمعنى ما أغفلنا ، ولا تركنا شيئاً .

والثاني : أن " مِنْ " تَبْعيضيَّةٌ ، أي : ما تركنا ولا أغْفَلْنَا في الكتاب بعض شيء يحتاج إليه المُكَلِّفُ .

الثالث : أن " من شيء " في مَحَلِّ نصب على المصدرِ ، و " من " زائدة فيه أيضاً .

ولم يُجزْ أبو البقاء{[13798]} غيره ، فإنه قال : " من " زائدة ، و " شيء " هنا واقع موقع المصدرِ ، أي تفريطاً .

وعلى هذا التَّأويل لا يبقى في الآية حُجَّةٌ لمن ظنَّ أن الكتاب يحتوي على ذِكْرِ كل شيء صَريحاً ، ونظير ذلك : { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } [ آل عمران :120 ] .

ولا يجوز أن يكون مفعولاً به ؛ لأن " فرَّطْنَا " لا يتعدَّى بنفسه ، بل بحرف الجرِّ ، وقد عُدِّيَتْ إلى " الكتاب " ب " في " ، فلا يتعدَّى بحرف آخر ، ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى : ما تركنا في الكتاب من شيء ؛ لأن المَعْنَى على خلافه ، فبان أن التأويل ما ذكرنا . انتهى .

قوله : " يحتوي على ذِكْرِ كل شيء صريحاً " لم يقل به أحدٌ ؛ لأنه مُكَابرةٌ في الضروريات{[13799]} .

وقرأ الأعرج وعلقمة : " فَرَطْنَا " مُخَفَّفاً ، فقيل : هما بِمَعْنًى وعن النقاش : فَرَطنا : أخَّرْنا ، كما قالوا : " فرط الله عنك المرض " أي : أزاله .

قوله : { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون } : قال ابن عبَّاسٍ ، والضحاك : حشرها موتها{[13800]} .

وقال أبو هريرة : يحشر الله الخَلْقَ كلهم يوم القيامةِ الإنس والجن والبهائم والدَّوَابَّ والطير وكُلَّ شيء ، فيأخذ للجمَّاءِ من القَرْنَاءِ ، ثم يقول كوني تُراباً{[13801]} ، فحينئذٍ يَتَمَنَّى الكافر ويقول :

{ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابا } [ النبأ :40 ] ، ويتأكد هذا بقوله : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } [ التكوير :5 ] .


[13775]:ينظر: الدر المصون 3/52، البحر المحيط 4/125.
[13776]:ينظر: الدر المصون 3/52، الكشاف 2/21.
[13777]:ينظر: الدر المصون 3/52.
[13778]:البيت لقريط بن أنيف العنبري. ينظر: الحماسة ص 1/27، الخصائص 2/270، روح المعاني 7/143، مجالس ثعلب 2/405، الدر المصون 3/52.
[13779]:ذكره البغوي في تفسيره 2/95.
[13780]:أخرجه أحمد في المسند 5/54، 56، 57 والدرامي في السنن 2/90، كتاب الصيد، باب في قتل الكلاب، وأبو داود في السنن 3/267، كتاب الصيد، باب اتخاذ الكلب للصيد وغيره الحديث (2845) والترمذي في السنن 4/80. كتاب الأحكام والفوائد باب ما جاء في قتل الكلاب الحديث (1486) والنسائي في المجتبى من السنن 7/185 كتاب الصيد والذبائح باب الكلاب التي أمر بقتلها وابن ماجه في السنن 2/1069 كتاب الصيد باب النهي عن اقتناء الكلب إلا كلب صيد الحديث (3205), وذكره البغوي في تفسيره 2/95، والرازي 12/175.
[13781]:ينظر: الرازي 12/174.
[13782]:ينظر: الرازي 12/175.
[13783]:سقط في أ.
[13784]:سقط في أ.
[13785]:أخرجه الطبراني في الكبير 11/223 بهذا اللفظ.
[13786]:الإيماء: هو الاقتران بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل، كان يعيدا، فيحمل على التعليل دفعا للاستبعاد، وعرفه بعض الأصوليين بأنه: ما يدل على علية وصف لحكم بواسطة قرينة من القرائن، ويسمى بالتنبيه أيضا، وله ستة أنواع، وقد جعله بعضهم مسلكا مستقلا؛ لأنه لا يدل على العلية صراحة، وبعضهم أدرجه تحت مسلك النص. ينظر: الإحكام للآمدي (3/56)، مختصر ابن الحاجب ص (188)، العضد (2/234). جمع الجوامع (2/266)، نهاية السول (4/63)، شرح الكوكب المنير ص (511)، التلويح (2/68)، إرشاد الفحول ص (212).
[13787]:تقدم.
[13788]:ذكره الرازي في تفسيره 12/180.
[13789]:تقدم.
[13790]:ينظر: الرازي 12/178.
[13791]:ينظر: المصدر السابق.
[13792]:تقدم.
[13793]:ذكره الرازي في "تفسيره" (12/178).
[13794]:ينظر: الرازي 12/178.
[13795]:أخرجه مالك (2/822) كتاب الحدود: باب ما جاء في الرجم حديث والبخاري (12/179) كتاب الحدود: باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا حديث (6842، 6863) ومسلم (3/1324 ـ 1325) كتاب الحدود: باب من اعترف على نفسه بالزنا حديث (25/1697 ـ 1698) من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني.
[13796]:ينظر: الرازي 12/178.
[13797]:حدّ البكر جلد مائة وتغريب عام، ويكون كل واحد منهما حدا، فيجمع عليه بين حدّين، رجلا كان الزاني أو امرأة. وبه قال الأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وأحمد بن حنبل. وقال أبو حنيفة: ليس عليه إلا حد واحد وهو الجلد، فأما التغريب فهو تعزير غير مقدر، يرجع فيه إلى رأي الإمام في فعله، وتركه، أو العدول إلى تعزيره. وقال مالك: يجمع بينهما في حد الرجل، ولا يجمع بينهما في حد المرأة، وتجلد ولا تغرب؛ لأنها عورة. واستدلوا على أن التغريب ليس بحدّ في الزنا بقول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] فكان الدليل فيه على وجهين: أحدهما: أنه اقتصر في حدها على الجلد، ولو وجب التغريب لقرنه به؛ لأن تأخير البيان عن وقته لا يجوز. والثاني: أن وجوب التغريب زيادة على النص، والزيادة على النص تكون نسخا، ونسخ القرآن لا يجوز بأخبار الآحاد، قالوا ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منع من سفر المرأة إلا مع ذي محرم، فإن غربت مع غير ذي محرم، أسقطتم الخبر، وإن غربت مع ذي محرم أوجبتم التغريب على من ليس بزانٍ، ولأنه سبب يوجب الحد فلم يجب به التغريب كالقذف وشرب الخمر؛ ولأنه زنا يوجب عقوبة فلم يجمع فيه بين حدين كزنا الثيب. ودليلنا حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". أخرجه مسلم في صحيحه 3/324 حديث رقم (24 ب/1696). فإن قيل: لما كان ما اقترن برجم الثيب من الجلد منسوخا اقتضى أن يكون ما اقترن بجلد البكر من التغريب منسوخا؟ قيل: نسخ أحدهما لا يوجب نسخ الآخر؛ لأن النسخ يؤخذ من النص دون القياس، وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: "وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام"، بعد قول الرجل: وسألت رجالا من أهل العلم فقالوا: على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فصار هذا الخبر يجمع نصا ووفاقا؛ ولأنه إجماع الصحابة. وروي أن أبا بكر رضي الله عنه جلد وغرب إلى "فدك". وجلد عمر وغرب إلى "الشام"، وجلد عثمان وغرب إلى "مصر". وجلد علي وغرب من "الكوفة" إلى "البصرة"، وليس لهم في الصحابة مخالف. فإن قيل: فقد قال عمر حين غرب لا أنفي بعده أحدا. وقال علي: كفى بالنفي فتنة، فدل على أنهم غربوا تعزيرا يجوز لهم تركه، ولم يكن حدا محتوما. قيل: أما قول عمر: "لا أنفي بعده أحدا"، فإنما كان ذلك منه في شارب خمر نفاه، فارتد ولحق بالروم، والنفي في شرب الخمر تعزير يجوز تركه، وهو في الزنا حد لا يجوز تركه. وأما قول علي: كفى بالنفي فتنة" فيعني: عذابا كما قال الله تعالى: {يوم هم على النار يفتنون} [الذاريات: 13] أي يعذبون، ولأن التغريب عقوبة تقدرت على الزاني شرعا، فوجب أن يكون حدا كالجلد؛ ولأن الزنا معصية توجب حدا أعلى؛ وهو الجلد، فوجب أن يقترن بأدناها غيرهما؛ كالقتل يوجب أعلى، وهو القود؛ وأدنى، وهو الدية واقترن بها الكفارة. فأما الجواب عن الآية فمن وجهين: أحدهما: أنها تضمنت كل ما وجب بالقرآن، والتغريب واجب بالسنة دون القرآن. والثاني: أن الزيادة على النص عندنا لا تكون نسخا، ولو كانت نسخا، لم تكن زيادة التغريب ها هنا نسخا لأمرين: أحدهما: أننا قد اتفقنا عليها، وإن اختلفنا في حكمها، فجعلوها تعزيرا وجعلناها حدا. والثاني: أنها تكون نسخا إذا تأخرت، والتغريب ها هنا تفسير لقوله: {أو يجعل اله لهن سبيلا} [النساء: 15] فكان مقدما على قوله: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] فخرج عن حكم النسخ. وأما الجواب عن تغريبها مع ذي محرم فمن وجهين: أحدهما: أنه لما لم يمنع ذلك من تغريبها تعزيرا، لم يمنع من تغريبها حدا. والثاني: أن المحرم شرط عندنا في مباح السفر دون واجبه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تصومنّ امرأة وزوجها حاضر، إلا بإذنه" محمولا على تطوع الصوم دون مفروضه، وهذا واجب كالحج فلم يفتقر إلى ذي محرم. وأما الجواب عن قياسهم على حد القذف، وشرب الخمر ـ فمن وجهين: أحدهما: أنه قياس يدفع النص، فكان مطرحا. والثاني: أنه لما لم يجز أن يغرب في غير الزنا تعزيرا وجاز في الزنا لم يمنع من وجوبه في الزنا حدا، وإن لم يجب في غير الزنا. وأما الجواب عن قياسهم على الثيب فمن وجهين: أحدهما: أن حد الثيب أغلظ العقوبات، فسقط به ما دونه. والثاني: أن الرجم فيه قد منع حد يتعقبه، والجلد لا يمنع والله أعلم. ينظر: الحاوي بتحقيقنا 13/193 ـ 195.
[13798]:ينظر: الإملاء 1/241.
[13799]:ينظر: الدر المصون 3/53، البحر المحيط 4/126.
[13800]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/187) عن ابن عباس والضحاك وذكره القرطبي في "تفسيره" (6/271).
[13801]:أخرجه الطبري (5/187) والحاكم (2/316) من حديث أبي هريرة وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/20 ـ 21) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.