قوله سبحانه : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم }[ الأنعام :38 ] .
المعنى : في هذه الآية التَّنْبِيهُ على آيات اللَّه المَوْجُودَةِ في أنواع مَخْلُوقَاتِهِ ، المَنْصُوبَةِ لمن فَكَّرَ واعتبر ، كالدواب والطير ، ويدخل في هَذَيْنِ جَمِيعُ الحَيَوَانِ ، وهي ( أمم ) أي : جَمَاعَاتٌ مماثلة للناس في الخَلْقِ ، والرزق ، والحَيَاةِ ، والمَوْتِ ، والحَشْرِ .
ويحتمل أن يريد بالمُمَاثَلَةِ في كونها أمماً لا غير ، إلا أن الفَائِدَةَ في هذه الآية بأن تكون المُمَاثَلَةُ في أَوْصَافٍ غير كونها أمماً .
قال الطبري ، وغيره : والمُمَاثَلَةُ في أنها يُهْتَبَلُ بأعمالها ، وتحاسب ، ويقتصّ لبعضها من بَعْضٍ ، على ما روي في الأحَادِيثِ ، أي : فإذا كان هذا يُفْعَلْ بالبهائم ، فأنتم أَحْرَى ، إذ أنتم مُكَلَّفُونَ عُقَلاَء .
وروى أبو ذَرٍّ : أنه انْتَطَحَتْ عنزان بِحَضْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أَتَعْلَمُونَ فِيمَا انْتَطَحَتَا ؟ قِلْنَا : لا ، قال : فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا ) . وقال مَكّي : المُمَاثَلَةُ في أنها تَعْرِفُ اللَّه ، وتعبده .
وقوله : { بِجَنَاحَيْهِ } تأكيد ، وببيان وإزالة للاستعارة المُتَعَاهَدَةِ في هذه اللفظة ، إذ يقال : طائر السَّعْدِ ، والنَّحْسِ . وقال تعالى : { ألزمناه طائره فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] ، ويقال : طار لفلان طائر كذا ، أي : سهمه في المقتسمات ، فقوله تعالى : { بِجَنَاحَيْهِ } إخراج للطائر عن هذا كله .
وقوله سبحانه : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ } التفريط : التقصير في الشَّيْءِ مع القُدْرَةِ على تَرْكِ التقصير .
قال أبو حيان : أصل ( فَرَّطْنَا ) أن يَتَعَدَّى ب «في » ثم يضمن معنى أغفلنا ، فيتعدى إلى مَفْعُولٍ به ، وهو هنا كذلك ، فيكون { مِن شَيْءٍ } في مَوْضِعِ المفعول به ، انتهى .
و { الكتاب } : القرآن وهو الذي يقتضيه نَظَامُ المعنى في هَذِهِ الآيَاتِ ،
وقيل : اللوح المحفوظ ، { وَمِنْ شَيء } على هذا القول عَامٌّ في جَمِيعِ الأشياء ، وعلى القول بأنه القُرْآن خَاصٌّ .
و{ يُحْشَرُونَ } ، قالت فرقة من العلماء : حَشْرُ البهائم بَعْثُهَا ، واحتجوا بالأَحَادِيثِ المضمنة أن اللَّه تعالى يَقْتَصُّ لِلْجَمَّاءِ من القَرْنَاءِ ، ومن قال : إنما هي كِنَايَةٌ عن العَدْلِ ، وليست بحقيقة ، فهو قول مَرْدُودٌ ينحو إلى القَوْلِ بالرُّمُوزِ ونحوها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.