النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يُحۡشَرُونَ} (38)

قوله عز وجل : { وَمَا من دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ } دابة بمعنى ما يدب على الأرض من حيوان كله .

{ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } يعني في الهواء ، جمع بين ما هو على الأرض وفيها وما ارتفع عنها .

{ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم } في الأمم تأويلان :

أحدهما : أنها الجماعات .

والثاني : أنها الأجناس ، قاله الفراء .

وليس يريد بقوله : { أَمْثَالُكُم } في التكليف كما جعل قوم اشتبه الظاهر عليهم وتعلقوا مع اشتباه الظاهر برواية أبي ذر ، قال : انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا ؟ قلت : لا ، قال : " لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا " قال أبو ذر : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكّرنا منه علماً ، لأنه إذا كان العقل سبباً للتكليف كان عدمه لارتفاع التكليف{[878]} .

والمراد بقوله : { أَمْثَالُكُم } وجهان :

أحدهما{[879]} : أنها أجناس وتتميز في الصور والأسماء .

والثاني : أنها مخلوقة لا تُظْلَم ، ومرزوقة لا تحرم .

ثم قال تعالى : { ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ }{[880]} فيه تأويلان :

أحدهما : ما تركنا خلقاً إلا أوجبنا له أجلاً ، والكتاب هنا هو إيجاب الأجل كما قال تعالى :

{ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ }[ الرعد : 38 ] قاله ابن بحر وأنشد لنابغة بني جعدة :

بلغو الملوك وأدركوا ال *** كتاب وانتهى الأجل

والتأويل الثاني : وهو قول الجمهور : أن الكتاب{[881]} هو القرآن الكريم الذي أنزله ، ما أخل فيه بشيء من أمور الدين ، إما مُفَصَّلاً يَسْتَغْنِي عن التفسير ، أو مجْمَلاً جعل إلى تفسيره سبيلاً .

يحتمل تأويلاً ثالثاً : ما فرطنا فيه بدخول خلل عليه ، أو وجود نقص فيه ، فكتاب الله سليم من النقص والخلل{[882]} .

{ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرْونَ } فيه تأويلان :

أحدهما : أن المراد بالحشر الموت ، قاله ابن عباس .

والثاني : أن الحشر الجمع لبعث الساعة .

فإن قيل : فإذا كانت{[883]} غير مُكَلَّفَةٍ فلماذا تبعث يوم القيامة ؟ قيل : ليس التكليف علة البعث ، لأن الأطفال والمجانين يبعثون وإن كانوا في الدنيا غير مكلفين ، وإنما يبعثها ليعوض ما استحق العوض منها بإيلام أو ظلم ، ثم يجعل ما يشاء منها تراباً ، وما شاء من دواب الجنة يتمتع المؤمنون بركوبه ورؤيته .


[878]:- تعليل لنفي التكليف عن الدابة والطير الذي ذكره بقوله: وليس يريد...
[879]:- سقط من ق.
[880]:- سقط من ق.
[881]:- وقيل أيضا الكتاب: اللوح المحفوظ فيه ما يقع من الحوادث
[882]:- سقط من ق.
[883]:-إلى الدواب والطير.