قوله تعالى : { وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } ، نزلت في النصارى وهم أصناف أربعة : اليعقوبية ، والملكانية ، والنسطورية ، والمرقسية . فقالت اليعقوبية : عيسى هو الله ، وكذلك الملكانية ، وقالت النسطورية : عيسى هو ابن الله ، وقالت المرقسية : ثالث ثلاثة . فأنزل الله هذه الآية . ويقال : الملكانية يقولون : عيسى هو الله . واليعقوبية يقولون ابن الله ، والنسطورية يقولون : ثالث ثلاثة ، علمهم رجل من اليهود يقال له بولص ، سيأتي في سورة التوبة إن شاء الله تعالى ، وقال الحسن : يجوز أن تكون نزلت في اليهود والنصارى ، فإنهم جميعاً غلوا في أمر عيسى ، فاليهود بالتقصير ، والنصارى بمجاوزة الحد ، وأصل الغلو : مجاوزة الحد ، وهو في الدين حرام . قال الله تعالى : { لا تغلوا في دينكم } ، لا تشددوا في دينكم فتفتروا على الله الكذب .
قوله تعالى : { ولا تقولوا على الله إلا الحق } ، لا تقولوا إن له شريكاً وولداً .
قوله تعالى : { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته } ، وهي قوله ( كن فكان ) بشراً من غير أب ، وقيل غيره .
قوله تعالى : { ألقاها إلى مريم } أي أعلمها وأخبرها بها ، كما يقال : ألقيت إليك كلمة حسنة .
قوله تعالى : { وروح منه } . قيل هو روح كسائر الأرواح ، إلا أن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفاً . وقيل : الروح هو النفخ الذي نفخه جبريل عليه السلام في درع مريم فحملته بإذن الله تعالى ، سمي النفخ روحاً لأنه ريح يخرج من الروح ، وأضافه إلى نفسه لأنه كان بأمره . وقيل : روح منه ، أي ورحمة ، فكان عيسى عليه السلام رحمةً لمن تبعه ، وآمن به . وقيل : الروح : الوحي ، أوحى إلى مريم بالبشارة ، وإلى جبريل عليه السلام أن كن فكان ، كما قال الله تعالى : { ينزل الملائكة بالروح من أمره } [ النحل :2 ] يعني : بالوحي ، وقيل :أراد بالروح جبريل عليه السلام ، معناه : كلمته ألقاها إلى مريم ، وألقاها أيضاً ، روح منه بأمره ، وهو جبريل عليه السلام ، كما قال : { تنزل الملائكة والروح فيها } [ القدر :4 ] يعني : جبريل فيها ، وقال :{ فأرسلنا إليها روحنا } [ مريم :17 ] يعني : جبريل .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد ابن إسماعيل ، أنا صدقة بن الفضل ، أنا الوليد عن الأوزاعي ، حدثنا عمرو بن هاني ، حدثني جنادة بن أمية ، عن عبادة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، أدخله الجنة على ما كان من العمل ) . قوله تعالى : { فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة } ، أي : ولا تقولوا هم ثلاثة ، وكانت النصارى تقول : أب ، وابن ، وروح القدس .
قوله تعالى : { انتهوا خيراً لكم } تقديره : انتهوا يكن الانتهاء خيراً لكم .
قوله تعالى : { إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد } ، واعلم أن التبني لا يجوز لله تعالى ، لأن التبني إنما يجوز لمن يتصور له ولد .
قوله تعالى : { له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا } .
هذا الدرس جولة مع النصارى من أهل الكتاب ، كما كان الدرس الماضي جولة مع اليهود منهم وهؤلاء وهؤلاء من أهل الكتاب ، الموجه إليهم هذا الخطاب .
وفي الدرس الماضي أنصف القرآن عيسى بن مريم وأمه الطاهرة من افتراءات اليهود ، وأنصف العقيدة الصحيحة في حكاية صلب المسيح - عليه السلام - وأنصف الحق نفسه من يهود ، وأفاعيل يهود ، وعنت يهود !
وفي هذا الدرس يتجه السياق إلى إنصاف الحق والعقيدة ، وإنصاف عيسى بن مريم كذلك من غلو النصارى في شأن المسيح - عليه السلام - ومن الأساطير الوثنية التي تسربت إلى النصرانية السمحة من شتى الأقوام ، وشتى الملل ، التي احتكت بها النصرانية ؛ سواء في ذلك أساطير الإغريق والرومان ، وأساطير قدماء المصريين ، وأساطير الهنود !
ولقد تولى القرآن الكريم تصحيح عقائد أهل الكتاب التي جاء فوجدها مليئة بالتحريفات مشحونة بالأساطير ؛ كما تولى تصحيح عقائد المشركين ، المتخلفة من بقايا الحنيفية دين إبراهيم - عليه السلام - في الجزيرة العربية ومن ركام فوقها من أساطير البشر وترهات الجاهلية !
لا بل جاء الإسلام ليتولى تصحيح العقيدة في الله للبشر أجمعين ؛ وينقذها من كل انحراف وكل اختلال ، وكل غلو ، وكل تفريط ، في تفكير البشر أجمعين . . فصحح - فيما صحح - اختلالات تصور التوحيد في أراء أرسطو في أثينا قبل الميلاد ، وأفلوطين في الإسكندرية بعد الميلاد ؛ وما بينهما وما تلاهما من شتى التصورات في شتى الفلسفات التي كانت تخبط في التيه ، معتمدة على ذبالة العقل البشري ، الذي لا بد أن تعينه الرسالة ، ليهتدي في هذا التيه !
والقضية التي يعرض لها السياق في هذه الآيات ، هي قضية " التثليث " وما تتضمنه من أسطورة " بنوة المسيح " لتقرير وحدانية الله سبحانه على الوجه المستقيم الصحيح .
ولقد جاء الإسلام والعقيدة التي يعتنقها النصارى - على اختلاف المذاهب - هي عقيدة أن الإله واحد في أقانيم ثلاثة : الآب ، والابن ، والروح القدس . والمسيح هو " الابن " . . ثم تختلف المذاهب بعد ذلك في المسيح . هل هو ذو طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية ؟ أم هل هو ذو طبيعة واحدة لاهوتية فقط . وهل هو ذو مشيئة واحدة مع اختلاف الطبيعتين ؟ وهل هو قديم كالآب أو مخلوق . . إلى آخر ما تفرقت به المذاهب ، وقامت عليه الاضطهادات بين الفرق المختلفة . . ( وسيأتي شيء من تفصيل هذا الإجمال في مناسبته في سياق سورة المائدة ) .
والثابت من التتبع التاريخي لأطوار العقيدة النصرانية ، أن عقيدة التثليث ، وكذلك عقيدة بنوة المسيح لله - سبحانه - ( ومثلها عقيدة ألوهية أمه مريم ، ودخولها في التثليثات المتعددة الأشكال ) كلها لم تصاحب النصرانية الأولى . إنما دخلت إليها على فترات متفاوتة التاريخ ، مع الوثنيين الذين دخلوا في النصرانية ، وهم لم يبرأوا بعد من التصورات الوثنية والآلهة المتعددة . والتثليث بالذات يغلب أن يكون مقتبساً من الديانات المصرية القديمة ، من تثليث " أوزوريس وإيزيس ، وحوريس " والتثليثات المتعددة في هذه الديانة . .
وقد ظل النصارى الموحدون يقاومون الاضطهادات التي أنزلها بهم الأباطرة الرومان ، والمجامع المقدسة الموالية للدولة ( الملوكانيون ) إلى ما بعد القرن السادس الميلادي على الرغم من كل ما لاقوه من اضطهاد وتغرب وتشرد بعيدا عن أيدي السلطات الرومانية !
وما تزال فكرة " التثليث " تصدم عقول المثقفين من النصارى ، فيحاول رجال الكنيسة أن يجعلوها مقبولة لهم بشتى الطرق ، ومن بينها الإحالة إلى مجهولات لا ينكشف سرها للبشر إلا يوم ينكشف الحجاب عن كل ما في السماوات وما في الأرض !
يقول القس بوطر صاحب رسالة : " الأصول والفروع " أحد شراح العقيدة النصرانية ، في هذه القضية :
" قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا . ونرجو أن نفهمه فهما أكثر جلاء في المستقبل ، حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات والأرض " .
ولا نريد هنا أن ندخل في سرد تاريخي للأطوار وللطريقة التي تسللت بها هذه الفكرة إلى النصرانية . وهي إحدى ديانات التوحيد الأساسية . فنكتفي باستعراض الآيات القرآنية الورادة في سياق هذه السورة ، لتصحيح هذه الفكرة الدخيلة على ديانة التوحيد !
( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ، ولا تقولوا على الله إلا الحق . إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه . فآمنوا بالله ورسله ، ولا تقولوا ثلاثة . انتهوا خيرا لكم . إنما الله إله واحد . سبحانه أن يكون له ولد . له ما في السماوات وما في الأرض ، وكفى بالله وكيلاً ) . .
فهو الغلو إذن وتجاوز الحد والحق ، هو ما يدعو أهل الكتاب هؤلاء إلى أن يقولوا على الله غير الحق ؛ فيزعموا له ولدا - سبحانه - كما يزعمون أن الله الواحد ثلاثة . .
وقد تطورت عندهم فكرة البنوة ، وفكرة التثليث ، حسب رقي التفكير وانحطاطه . ولكنهم قد اضطروا أمام الاشمئزاز الفطري من نسبة الولد لله ، والذي تزيده الثقافة العقلية ، أن يفسروا البنوة بأنها ليست عن ولادة كولادة البشر . ولكن عن " المحبة " بين الآب والابن . وأن يفسروا الإله الواحد في ثلاثة . . بأنها " صفات " لله سبحانه في " حالات " مختلفة . . وإن كانوا ما يزالون غير قادرين على إدخال هذه التصورات المتناقضة إلى الإدراك البشري . فهم يحيلونها إلى معميات غيبية لا تنكشف إلا بانكشاف حجاب السماوات والأرض .
والله - سبحانه - تعالى عن الشركة ؛ وتعالى عن المشابهة . ومقتضى كونه خالقا يستتبع . . بذاته . . أن يكون غير الخلق . . وما يملك إدراك أن يتصور إلا هذا التغاير بين الخالق والخلق . والمالك والملك . . وإلى هذا يشير النصر القرآني :
( إنما الله إله واحد . سبحانه ! أن يكون له ولد ؟ له ما في السماوات وما في الأرض )
وإذا كان مولد عيسى - عليه السلام - من غير أب عجيبا في عرف البشر ، خارقا لما ألفوه ، فهذا العجب إنما تنششه مخالفة المألوف . والمألوف للبشر ليس هو كل الموجود . والقوانين الكونية التي يعرفونها ليست هي كل سنة الله . والله يخلق السنة ويجريها ، ويصرفها حسب مشيئته . ولا حد لمشيئته .
والله - سبحانه - يقول - وقوله الحق - في المسيح :
( إنما المسيح عيسى ابن مريم ، رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ) . .
فهو على وجه القصد والتحديد : ( رسول الله ) . .
شأنه في هذا شأن بقية الرسل . شأن نوح وإبراهيم وموسى ومحمد ، وبقية الرهط الكريم من عباد الله المختارين للرسالة على مدار الزمان . .
وأقرب تفسير لهذه العبارة ، أنه سبحانه ، خلق عيسى بالأمر الكوني المباشر ، الذي يقول عنه في مواضع شتى من القرآن : إنه ( كن . . فيكون ) . . فلقد ألقى هذه الكلمة إلى مريم فخلق عيسى في بطنها من غير نطفة أب - كما هو المألوف في حياة البشر غير آدم - والكلمة التي تخلق كل شيء من العدم ، لا عجب في أن تخلق عيسى - عليه السلام - في بطن مريم من النفخة التي يعبر عنها بقوله :
وقد نفخ الله في طينة آدم من قبل من روحه . فكان " إنسانًا " . . كما يقول الله تعالى : ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) . . وكذلك قال في قصة عيسى : ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا ) فالأمر له سابقة . . والروح هنا هو الروح هناك . . ولم يقل أحد من أهل الكتاب - وهم يؤمنون بقصة آدم والنفخة فيه من روح الله - إن آدم إله ، ولا أقنوم من أقانيم الإله . كما قالوا عن عيسى ؛ مع تشابه الحال - من حيث قضية الروح والنفخة ومن حيث الخلقة كذلك . بل إن آدم خلق من غير أب وأم : وعيسى خلق مع وجود أم . . وكذلك قال الله : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون ) . .
ويعجب الإنسان - وهو يرى وضوح القضية وبساطتها - من فعل الهوى ورواسب الوثنية التي عقدت قضية عيسى عليه السلام هذا التعقيد كله ، في أذهان أجيال وأجيال وهي - كما يصورها القرآن - بسيطة بسيطة ، وواضحة مكشوفة .
إن الذي وهب لآدم . . من غير أبوين . . حياة إنسانية متميزة عن حياة سائر الخلائق بنفخة من روحه ، لهو الذي وهب عيسى . . من غير أب . . هذه الحياة الإنسانية كذلك . . وهذاالكلام البسيط الواضح أولى من تلك الأساطير التي لا تنتهي عن ألوهية المسيح ، لمجرد أنه جاء من غير أب . وعن ألوهية الأقانيم الثلاثة كذلك ! . . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا :
( فآمنوا بالله ورسله . ولا تقولوا : ثلاثة . انتهوا خيرا لكم ) . .
وهذه الدعوة للإيمان بالله ورسله - ومن بينهم عيسى بوصفه رسولا ، ومحمد بوصفه خاتم النبيين - والانتهاء عن تلك الدعاوى والأساطير ، تجيء في وقتها المناسب بعد هذا البيان الكاشف والتقرير المريح . . ( إنما الله إله واحد ) . . تشهد بهذا وحده الناموس . . ووحدة الخلق . ووحدة الطريقة : كن . . فيكون . . ويشهد بذلك العقل البشري ذاته . فالقضية في حدود إدراكه . فالعقل لا يتصور خالقا يشبه مخلوقاته ، ولا ثلاثة في واحد . ولا واحدا في ثلاثة :
والولادة امتداد للفاني ومحاولة للبقاء في صورة النسل . . والله الباقي غني عن الامتداد في صورة الفانين ؛ وكل ما في السماوات وما في الأرض ملك له سبحانه على استواء :
( له ما في السماوات وما في الأرض ) . .
ويكفي البشر أن يرتبطوا كلهم بالله ارتباط العبودية للمعبود ؛ وهو يرعاهم أجمعين ، ولا حاجة لافتراض قرابة بينهم وبينه عن طريق ابن له منهم ! فالصلة قائمة بالرعاية والكلاءة : ( وكفى بالله وكيلا ) . .
وهكذا لا يكتفي القرآن ببيان الحقية وتقريرها في شأن العقيدة . إنما يضيف إليها أراحة شعور الناس من ناحية رعاية الله لهم ؛ وقيامه - سبحانه - عليهم وعلى حوائجهم ومصالحهم ؛ ليكلوا إليه أمرهم كله في طمأنينة . .
{ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إل مريم وروح منه } .
استئناف ابتدائي بخطاب موجّه إلى النصارى خاصّة . وخوطبوا بعنوان أهل الكتاب تعريضاً بأنَّهم خالفوا كتابهم . وقرينةُ أنَّهم المراد هي قوله : { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } إلى قوله : { أن يكون عبداً لله } [ النساء : 172 ] فإنّه بيان للمراد من إجمال قوله : { لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلاّ الحقّ } وابتدئت موعظتهم بالنّهي عن الغلوّ لأنّ النّصارى غلَوا في تعظيم عيسى فادّعوا له بنوّة الله ، وجعلوه ثالث الآلهة .
والغلوّ : تجاوز الحدّ المألوف ، مشتقّ من غَلْوَة السهم ، وهي منتهى اندفاعه ، واستُعير للزيادة على المطلوب من المعقول ، أو المشْرُوع في المعتقدات ، والإدراكات ، والأفعال . والغلوّ في الدّين أن يُظهر المتديّن ما يفوت الحدّ الّذي حدّد له الدينُ . ونهاهم عن الغلوّ لأنَّه أصل لكثير من ضلالهم وتكذيبهم للرسل الصّادقين . وغلّو أهل الكتاب تجاوزُهم الحدّ الذي طلبه دينهم منهم : فاليهود طولبوا باتّباع التّوراة ومحبّة رسولهم ، فتجاوزوه إلى بِغضة الرسل كعيسى ومحمدّ عليهما السّلام ، والنّصارى طولبوا باتّباع المسيح فتجاوزوا فيه الحدّ إلى دعوى إلهيّته أو كونه ابنَ الله ، مع الكفر بمحمدّ صلى الله عليه وسلم .
وقوله : { ولا تقولوا على الله إلاّ الحقّ } عطف خاصّ على عامّ للاهتمام بالنهي عن الافتراء الشنيع . وفعل القول إذا عدّي بحرف ( على ) دلّ على أنّ نسبة القائل القول إلى المجرور ب ( على ) نسبة كاذبة ، قال تعالى : { ويقولون على الله الكذب } [ آل عمران : 78 ] . ومعنى القول على الله هنا : أن يقولوا شيئاً يزعمون أنَّه من دينهم ، فإنّ الدين من شأنه أن يتلقّى من عند الله .
وقوله : { إنما المسيح عيسى ابن مريم } جملة مبيّنة للحدّ الذي كان الغلوّ عنده ، فإنَّه مجمل ؛ ومبيّنة للمراد من قول الحقّ .
ولكونها تتنزّل من الَّتي قبلها منزلة البيان فُصلت عنها . وقد أفادت الجملة قصر المسيح على صفات ثلاث : صفة الرسالة ، وصفةِ كونه كلمة الله ألقيت إلى مريم ، وصفة كونه روحاً من عند الله . فالقصر قصر موصوف على صفة . والقصد من هذا القصر إبطال ما أحدثه غلوّهم في هذه الصّفات غلوّاً أخرجها عن كنهها ؛ فإنّ هذه الصّفات ثابتة لعيسى ، وهم مثبتون لها فلا يُنكر عليهم وصفُ عيسى بها ، لكنّهم تجاوزوا الحدّ المحدود لها فجعلوا الرسالة البُنوّة ، وجعلوا الكلمة اتِّحادَ حقيقة الإلهيّة بعيسى في بطن مريم فجعلوا عيسى ابناً لله ومريم صاحبة لله سبحانه ، وجعلوا معنى الروح على ما به تكوّنت حقيقة المسيح في بطن مريم من نفْس الإلَهية .
والقصر إضافي ، وهو قصر إفرادٍ ، أي عيسى مقصور على صفة الرسالة والكلمة والروح ، لا يتجاوز ذلك إلى ما يُزاد على تلك الصّفات من كون المسيح ابناً لله واتِّحاد الإلهيّة به وكون مريم صاحبة .
ووصف المسيح بأنّه كلمة الله وصف جاء التّعبير به في الأناجيل ؛ ففي صدر إنجيل يوحنا « في البدء كان الكلمةُ ، والكلامة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ثم قال والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا » . وقد حكاه القرآن وأثبته فدلّ على أنّه من الكلمات الإنجيلية ، فمعنى ذلك أنّه أثَر كلمة الله . والكلمةُ هي التكوين ، وهو المعبّر عنه في الاصطلاح ب ( كُن ) . فإطلاق الكلمة على التكوين مجاز ، وليس هو بكلمة ، ولكنّه تعلّقُ القدرة . ووصف عيسى بذلك لأنَّه لم يكن لتكوينه التّأثيرُ الظاهرُ المعروف في تكوين الأجنّة ، فكان حدوثه بتعلّق القدرة ، فيكون في { كلمته } في الآية مجازان : مجاز حذف ، ومجاز استعارة صار حقيقة عرفيّة .
ومعنى { ألقاها إلى مريم } أوصلها إلى مريم ، وروعي في الضمير تأنيث لفظ الكلمة ، وإلاّ فإنّ المراد منها عيسى ، أو أراد كلمة أمر التكوين . ووصف عيسى بأنّه روح الله وصفٌ وقع في الأناجيل . وقد أقرّه الله هنا ، فهو ممّا نزل حقّاً .
ومعنى كون عيسى روحاً من الله أنّ روحه من الأرواح الّتي هي عناصر الحياة ، لكنّها نسبت إلى الله لأنَّها وصلت إلى مريم بدون تكوّن في نطفةٍ فبهذا امتاز عن بقيّة الأرواح . ووُصف بأنّه مبتدأ من جانب الله ، وقيل : لأنّ عيسى لمّا غلبت على نفسه الملكية وصف بأنّه روح ، كأنّ حظوظ الحيوانية مجرّدة عنه . وقيل : الروح النفخة . والعرب تسمّى النفس روحاً والنفخ روحاً . قال ذو الرمّة يذكر لرفيقه أن يوقد ناراً بحطب :
فقلت له ارفعها إليك فأَحيها *** برُوحك واقتُتْه لها قِيتة قَدْرا
وتلقيب عيسى بالروح طفحت به عبارات الأناجيل . و ( مِن ) ابتدائية على التقادير .
فإن قلت : ما حكمة وقوع هذين الوصفين هنا على ما فيهما من شبهة ضلّت بها النّصارى ، وهلاّ وصف المسيح في جملة القصر بمثل ما وصف به محمّد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { قل إنَّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ } [ الكهف : 110 ] فكان أصرح في بيان العبوديّة ، وأنفى للضلال .
قلت : الحكمة في ذلك أنّ هذين الوصفين وقعا في كلام الإنجيل ، أو في كلام الحواريّين وصفاً لعيسى عليه السّلام ، وكانا مفهومين في لغة المخاطبين يومئذٍ ، فلمَّا تغيّرت أساليب اللّغات وساء الفهم في إدراك الحقيقة والمجاز تسرّب الضلال إلى النّصارى في سوء وضعهما فأريد التنبيه على ذلك الخطأ في التأويل ، أي أنّ قصارى ما وقع لديكم من كلام الأناجيل هو وصف المسيح بكلمة الله وبروح الله ، وليس في شيء من ذلك ما يؤدّي إلى اعتقاد أنَّه ابن الله وأنَّه إله .
وتصدير جملة القصر بأنّه { رسول الله } ينادي على وصف العبوديّة إذ لا يُرسل الإله إلهاً مثله ، ففيه كفاية من التنبيه على معنى الكلمة والروح .
{ فآمنوا بالله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثلاثة انتهوا خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا الله إله واحد سبحانه أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ ما فِى السماوات وَمَا فِى الارض وكفى بالله وَكِيلاً } .
الفاء للتفريع عن جملة القصر وما بنيت عليه . أي إذا وضح كلّ ما بيَّنه الله من وحدانيَّته ، وتنزيهه ، وصدق رسله ، يتفرّع أن آمُركم بالإيمان بالله ورسله . وأمروا بالإيمان بالله مع كونهم مؤمنين ، أي النصارى ، لأنّهم لمّا وصفوا الله بما لا يليق فقد أفسدوا الإيمان ، وليكون الأمر بالإيمان بالله تمهيداً للأمر بالإيمان برُسله ، وهو المقصود ، وهذا هو الظاهر عندي . وأريدَ بالرسل جميعهم ، أي لا تكفروا بواحد من رسله . وهذا بمنزلة الاحتراس عن أن يتوهّم متوهّمون أن يعرضوا عن الإيمان برسالة عيسى عليه السلام مبالغة في نفي الإلهية عنه .
وقوله : { ولا تقولوا ثلاثة } أي لا تنطقوا بهذه الكلمة ، ولعلّها كانت شعاراً للنصارى في دينهم ككلمة الشهادة عند المسلمين ، ومن عوائدهم الإشارة إلى التثليث بالأصابع الثلاثة : الإبهام والخنصر والبنصر . والمقصود من الآية النهي عن النطق بالمشتهر من مدلول هذه الكلمة وعن الاعتقاد . لأنّ أصل الكلام الصدق فلا ينطق أحد إلاّ عن اعتقاد ، فالنهي هنا كناية بإرادةِ المعنى ولازمه . والمخاطب بقوله : { ولا تقولوا } خصوص النّصارى .
و { ثلاثة } خبر مبتدأ محذوف كانَ حذفه ليصلحَ لكلّ ما يصلحُ تقديره من مذاهبهم من التثليث ، فإنّ النصارى اضطربوا في حقيقة تثليث الإله كما سيأتي ، فيقدر المبتدأ المحذوف على حسب ما يقتضيه المردود من أقوالهم في كيفية التثليث ممّا يصحّ الإخبار عنه بلفظ { ثلاثة } من الأسماء الدّالة على الإله ، وهي عدّة أسماء . ففي الآية الأخرى { لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } [ المائدة : 73 ] . وفي آية آخر هذه السورة { أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون الله } [ المائدة : 116 ] ، أي إلهين مع الله ، كما سيأتي ، فالمجموع ثلاثة : كلّ واحد منهم إله ؛ ولكنّهم يقولون : أنّ مجموع الثلاثة إله واحد أو اتّحدت الثلاثة فصار إله واحد . قال في « الكشّاف » : ( ثلاثة ) خبر مبتدأ محذوف فإن صحّت الحكاية عنهم أنَّهم يقولون : هو جوهر واحد وثلاثة أقانيم ، فتقديره الله ثلاثة وإلاّ فتقديره الآلهة ثلاثة اهـ .
والتثليث أصل في عقيدة النصارى كلّهم ، ولكنّهم مختلفون في كيفيته . . ونشأ من اعتقاد قدماء الإلهيّين من نصارى اليونان أنّ الله تعالى ( ثَالُوث ) ، أي أنَّه جوهر واحد ، وهذا الجوهر مجموع ثلاثة أقانيم ، واحدها أقْنُوم بضم الهمزة وسكون القاف . قال في « القاموس » : هو كلمة رومية ، وفسّره القاموس بالأصل ، وفسّره التفتزاني في كتاب « المقاصد » بالصفة . ويظهر أنَّه معرّب كلمة ( قنوم بقاف معقد عجمي ) وهو الاسم ، أي ( الكلمة ) . وعبّروا عن مجموع الأقانيم الثلاثة بعبارة ( آبَا ابنَا رُوحا قُدُسا ) وهذه الأقانيم يتفرّع بعضها عن بعض : فالأقنوم الأول أقنوم الذات أو الوجود القديم وهو الأب وهو أصل الموجودات .
والأقنوم الثاني أقنوم العلم ، وهو الابن ، وهو دونَ الأقنوم الأول ، ومنه كان تدبير جميع القوى العقلية .
والأقنوم الثالث أقنوم الروح القُدس ، وهو صفة الحياة ، وهي دون أقنوم العلم ومنها كان إيجاد عالم المحسوسات .
وقد أهملوا ذكر صفات تقتضيها الإلهية ، مثل القِدم والبقاء ، وتركوا صفة الكلام والقدرة والإرادة ، ثمّ أرادوا أن يتأوّلوا ما يقع في الإنجيل من صفات الله فسمّوا أقنوم الذات بالأب ، وأقنوم العلم بالابن ، وأقنوم الحياة بالروح القدس ، لأنّ الإنجيل أطلق اسم الأب على الله ، وأطلق اسم الابن على المسيح رسوله ، وأطلق الروح القدس على ما به كُوّن المسيح في بطن مريم ، على أنَّهم أرادوا أن ينبّهوا على أنّ أقنوم الوجود هو مفيض الأقنومين الآخرين فراموا أن يدلّوا على عدم تأخّر بعض الصّفات عن بعض فعبّروا بالأب والابن ، ( كما عبّر الفلاسفة اليونان بالتولّد ) . وسمّوا أقنوم العلم بالكلمة لأنّ من عبارات الإنجيل إطلاق الكلمة على المسيح ، فأرادوا أنّ المسيح مظهر علم الله ، أي أنَّه يعلم ما علمه الله ويبلّغه ، وهو معنى الرسالة إذ كان العلم يوم تدوين الأناجيل مكلَّلاً بالألفاظ الاصطلاحية للحكمة الإلهية الروميّة ، فلمّا اشتبهت عليهم المعاني أخذوا بالظواهر فاعتقدوا أنّ الأرباب ثلاثة وهذا أصل النصرانيّة ، وقاربوا عقيدة الشرك .
ثمّ جَرّهم الغُلوّ في تقديس المسيح فتوهَّموا أنّ علم الله اتّحد بالمسيح ، فقالوا : إنّ المسيح صار ناسوتُه لاَهُوتاً ، باتّحاد أقنُوم العلم به ، فالمسيح جوهران وأقنوم واحد ، ثمّ نشأت فيهم عقيدة الحلول ، أي حلول الله في المسيح بعبارات متنوّعة ، ثمّ اعتقدوا اتّحاد الله بالمسيح ، فقالوا : الله هو المسيح . هذا أصل التثليث عند النّصارى ، وعنه تفرّعت مذاهب ثلاثة أشار إلى جميعها قوله تعالى : { ولا تقولوا ثلاثة } وقولُه { لقد كفر الّذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } [ المائدة : 72 ] وقولُه : { أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون الله } [ المائدة : 116 ] وكانوا يقولون : في عيسى لاهوتيةٌ من جهة الأب ونَاسوتيَّةٌ أي إنسانية من جهة الأمّ .
وظهر بالإسكندرية راهب اسمه ( آريوس ) قالو بالتوحيد وأنّ عيسى عبدُ الله مخلوق ، وكان في زمن ( قسطنطينوس سلطان الرّون باني القسطنطينية ) . فلمّا تديّن قسطنطينوس المذكور بالنصرانية سنة327 تبع مقالة ( آريوس ) ، ثمّ رأى مخالفةَ معظممِ الرهبان له فأراد أن يوحّد كلمتهم ، فجمع مجمعاً من علماء النصارى في أواخر القرن الرابع من التّاريخ المسيحي ، وكان في هذا المجمع نحو ألفي عالم من النصارى فوجدهم مختلفين اختلافاً كثيراً ووجد أكثر طائفة منهم على قول واحدٍ ثلاثَمائة وبضعةَ عشر عالماً فأخذ قولهم وجعله أصل المسيحيّة ونصَره ، وهذه الطائفة تلقّب ( المَلْكَانِيَّة ) نسبة للمَلِك .
واتَّفق قولهم على أنّ كلمة الله اتَّحدت بجسد عيسى ، وتقمَّصت في ناسوته ، أي إنسانيته ، ومازجته امتزاج الخمر بالماء ، فصارت الكلمةُ ذاتاً في بطن مريم ، وصارت تلك الذات ابناً لله تعالى ، فالإلهُ مجموع ثلاثة أشياء :
الأوّل الأب ذُو الوجود ، والثاني الابن ذُو الكلمة ، أي العلم ، والثالث روح القدس .
ثمّ حدثت فيهم فرقة اليَعْقوبية وفرقة النَّسْطُورِيَّة{[219]} في مجامع أخرى انعقدت بين الرهبان . فاليعقوبيّة ، ويسمّون الآن ( أرْثُودُكْسْ ) ، ظَهروا في أواسط القرن السادس المسيحي ، وهم أسبق من النسطورية ؛ قالوا : انقلبت الإلهية لَحْماً ودَماً ؛ فصار الإله هو المسيح فلأجل ذلك صدرت عن المسيح خوارق العادات من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فأشبه صُنْعه صنع الله تعالى ممّا يعجز عنه غير الله تعالى . وكان نصارى الحبشة يعاقبه ، وسنتعرّض لذكرها عند قوله تعالى : { لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم } في سورة المائدة ( 72 ) ، وعند قوله تعالى : { فاختلف الأحزاب من بينهم } [ مريم : 37 ] .
والنَّسطوريّة قالت : اتَّحدت الكلمة بجسد المسيح بطريق الإشراق كما تشرق الشّمس من كوة مِن بلّور ، فالمسح إنسان ، وهو كلمة الله ، فلذلك هو إنسان إله ، أو هو له ذاتيتان ذات إنسانيّة وأخرى إلهيّة ، وقد أطلق على الرئيس الديني لهذه النّحلة لقب ( جَاثِليق ) . وكانت النحلة النسطورية غالبة على نصارى العرب . وكان رهبان اليعاقبة ورهبان النسطوريين يتسابقون لبث كلّ فريقٍ نحلتَه بين قبائل العرب . وكان الأكاسرة حُماة للنسطورية . وقياصرةُ الرّوم حُمَاة لليعقوبية . وقد شاعت النّصرانيّة بنحْلتيْها في بَكْر ، وتَغلب ، وربيعة ، ولخم ، وجُذام ، وتَنُوخ ، وكَلْب ، ونَجْران ، واليَمَن ، والبحرين . وقد بَسَطْتُ هذا ليعلم حُسن الإيجاز في قوله تعالى : { ولا تقولوا ثلاثة } وإتيانه على هذه المذاهب كلّها . فللّه هذا الإعجاز العلمي .
والقول في نَصب ( خيراً ) من قوله : { انتهوا خيراً لكم } كالقول في قوله تعالى : { فآمنوا خيراً لكم } [ النساء : 170 ] . والقصر في قوله : { إنَّما الله إله واحد } قصر موصوف على صفة ، لأنّ ( إنّما ) يليها المقصور ، وهو هنا قصر إضافي ، أي ليس الله بثلاثة .
وقوله : { سبحانه أن يكون له ولد } إظهار لغلطهم في أفهامهم ، وفي إطلاقاتهم لفظَ الأب والابن كيفما كان محملهما لأنَّهما إمّا ضلالة وإمّا إيهامُها ، فكلمة ( سبحانه ) تفيد قوة التنزيه لله تعالى عن أن يكون له ولد ، والدلالةَ على غلط مثبتيهِ ، فإنّ الإلهية تنافي الكون أبا واتّخاذَ ابن ، لاستحالة الفناء ، والاحتياج ، والانفصال ، والمماثلة للمخلوقات عن الله تعالى . والبنوّة تستلزم ثبوت هذه المستحيلات لأنّ النسل قانون كوني للموجودات لحكمة استبقاء النوع ، والناس يتطلّبونها لذلك ، وللإعانةِ على لوازم الحياة ، وفيها انفصال المولود عن أبيه ، وفيها أنّ الابن مماثلة لأبيه فأبُوه مماثل له لا محالة .
و ( سبحان ) اسم مصدر سَبَّح ، وليس مصدراً ، لأنَّه لم يسمع له فعل سالم . وجزم ابن جني بأنّه علَم على التسبيح ، فهو من أعلام الأجناس ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والزيادة . وتقدّم الكلام عليه عند قوله تعالى : { قالوا سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا } في سورة البقرة ( 32 ) .
وقوله : { أنْ يكونَ له وَلَدَ } متعلّق ب ( سبحان ) حرف الجرّ ، وهو حرف ( عَن ) محذوفاً .
وجملة { له ما في السموات وما في الأرض } تعليل لقوله : { سبحانه أن يكون له ولد } لأنّ الذي له ما في السماوات وما في الأرض قد استغنى عن الولد ، ولأنّ من يُزْعَم أنَّه ولدٌ له هو ممّا في السماوات والأرض كالملائكة أو المسيح ، فالكلّ عبيده وليس الابن بعبد .
وقوله : { وكفى بالله وكيلا } تذييل ، والوكيل الحافظ ، والمراد هنا حافظ ما في السماوات والأرض ، أي الموجودات كُلّها . وحُذف مفعول ( كفى ) للعموم ، أي كفى كلّ أحد ، أي فتوكّلوا عليه ، ولا تتوكّلوا على من تزعمونه ابناً له . وتقدّم الكلام على هذا التركيب عند قوله تعالى : { وكفى بالله وكيلاً } في هذه السورة .