تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا} (171)

الآية 171

وقوله تعالى : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } والغلو في الدين هو المجاوزة عن الحد الذي حد لهم( وكذلك الاعتداء وهو المجاوزة عن الحد الذي حد لهم ){[6827]} في الفعل وفي النطق . وقال بعضهم : تفسير الغلو ما ذكر : { ولا تقولوا على الله إلا الحق } فالقول على الله بما لا يليق به غلو . وقيل : { لا تغلوا } لا تعمقوا{ في دينكم } ولا تشددوا ، فيحملكم ذلك على الافتراء على الله والقول بما لا يحل ، ولا يليق .

وقوله تعالى : { ولا تقولوا على الله إلا الحق } إلا الصدق{[6828]} .

وعن ابن عباس رضي الله عنه { لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق } يقول : ( لا تقولوا : لله تعالى ( ولد أو صاحبة ){[6829]} . وفي حرف حفصة رضي الله عنها : ولا تقولوا{[6830]} : الله ثالث ثلاثة . إنما هو إله واحد .

وقوله تعالى : { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } الخطاب بقوله : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } في حقيقة المعنى للخلق كلهم لأن على الخلائق ألا يغلوا في دينهم ، وهو في الظاهر في أهل الكتاب ؛ والمقصود منه النصارى دون غيرهم من أهل الكتاب حتى يعلم أن ليس في مخرج عموم اللفظ دليل عموم المراد ولا في مخرج خصوصه دليل خصوصه . ولكن قد يراد بعموم اللفظ الخصوص وخصوص اللفظ العموم ، فيبطل به قول من يعتقد بعموم اللفظ عموم المراد وبخصوص اللفظ خصوصه .

ثم افترقت النصارى على ثلاث{[6831]} فرق في عيسى ، صلوات الله عليه ، بعد اتفاقهم على أنه ابن مريم ؛ قال بعضهم : هو إله ، ومنهم من يقول : ابن الإله ، ومنهم من يقول : هو ثالث ثلاثة : الرب والمسيح وأمه . فأكذبهم عز وجل في قولهم ، وأخبر أنه رسول الله ابن مريم . ولو كان هو إلها لكانت أمه أحق أن تكون إلها ، لأن أمه كانت قبل عيسى عليه السلام ومن كان قبله أحق بذلك ممن يكون من بعد ، ولأن من اتخذ الولد إنما يتخذ من جوهره ، لا يتخذ من غير جوهره . فلو كان ممن يجوز أن يتخذ من جوهر البشر كقوله تعالى : { لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا } الآية ( الأنبياء : 17 ) .

وقوله تعالى : { وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } قال بعضهم : كلمته : أن قال له : { كن } ( آل عمران : 47-49ومريم : 35 ) فكان . لكن الخلائق كلهم( ليسوا ){[6832]} في هذا كعيسى لأن كل الخلائق ما{[6833]} كانوا بقوله { كن } ( فكانوا ، فليس لهم كعيسى ){[6834]} عليه السلام خصوصية .

وأصله أنه سماه{[6835]} : كلمة الله لما ألقاها إلى مريم ، ولا ندري أي كلمة كانت ، وإنما خلقه بكلمته التي ألقاها إليها ، فسماه بذلك كما خلق آدم من تراب ، فنسبه {[6836]} إليه ، وحواء خلقها من ضلع آدم ، فنسبها إليه ، وسائر الخلق خلقهم من النطفة ، فنسبهم إليها . فعلى ذلك عيسى لما خلقه بكلمة ألقاها إليها نسبه {[6837]} إليه . لكن في آدم وغيره من الخلائق ذكر فيهم التغير من حال إلى حال ، ولم يذكر ذلك في عيسى ، قيحتمل أن تكون له الخصوصية بذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وروح منه ؛ كقوله تعالى : { فنفخنا فيه من روحنا } ( التحريم : 12 ) فسمى ذلك روحا لما به كان يحيي الموتى . ألا ترى أنه سمى القرآن روحا ، وقو قوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } ( الشورى : 52 ) سماه روحا ييحي القلوب كما يحيي الأبدان بالروح .

وقيل : { وروح منه } أي أحياه الله ، وجعله روحا ، قيل : { وروح منه } أي رسول{[6838]} منه . وقيل : { وروح منه } أي أمر منه .

وقوله تعالى : { فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة } لأن الرسل كلهم لم يدعوكم إلى الذي أنتم عليه ؛ إنه ثالث ثلاثة ، إنما دعاكم الرسل ( إلى ){[6839]} أن الله إله واحد لا شريك له ولا ولد{ انتهوا خير لكم } بما ذكرنا بالآيات الأولى . وقوله : { ولا تقولو ا ثلاثة } بالرفع ، أي لا تقولوا : هو ثلاثة .

وقوله تعالى : { سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض } نزه نفسه عن عظيم ما قالوا فيه بأن له ولذا . ثم أخبر أن{ له ما في السماوات وما في الأرض } وإنما يتخذ الولد لإحدى خصال ثلاث : إما لحاجة تمسه ، فيدفعها به عن نفسه ، وإما{[6840]} لوحشة تصيبه ، فيستأنس به( وإما ){[6841]} لخوف غلبة العدو ، فيستنصر به ، ويقهره أو لما يخاف الهلاك ، فيتخذ الولد ليرث ملكه . فإذا كان الله سبحانه يتعالى {[6842]}عن أن تمسه حاجة ، أو تصيبه وحشة ، أو( يخاف لملكه زوالا فإنه ){[6843]} يتعالى عن أن يتخذ ولدا ، وهو عبده .

( وقوله تعالى ){[6844]} : { وكفى بالله وكيلا } قيل : حافظا ، وقيل : شهيدا ، وقيل : الوكيل ، هو القائم في الأمور كلها .

والله أعلم .


[6827]:من م، ساقطة من الأصل.
[6828]:في الأصل: القول، في م: أي الصدق.
[6829]:في الأصل وم: ولدا ولا صاحبة.
[6830]:في الأصل وم: تقول.
[6831]:في الأصل وم:ثلاثة.
[6832]:ساقطة من الأصل وم.
[6833]:في الأصل وم: إنما.
[6834]:في الأصل وم: فكان فليس لعيسى.
[6835]:في الأصل وم: سمى.
[6836]:في الأصل وم: فنسب.
[6837]:في الأصل وم: نسب.
[6838]:في الأصل وم:ورسولا.
[6839]:ساقطة من الأصل وم.
[6840]:في الأصل وم: أو.
[6841]:في م: أو، ساقطة من الأصل.
[6842]:في م: وتعالى.
[6843]:في الأصل وم: لملكه زوال.
[6844]:ساقطة من الأصل وم.