بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا} (171)

ثم قال تعالى : { يا أَهْلَ الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } قال الضحاك : أي لا تكذبوا في دينكم . وقال بعض أهل اللغة : الغلو مجاوزة القدر في الظلم . ويقال : الغلو أن تجاوز ما حدَّ لك . وقال القتبي : يعني لا تفرطوا في دينكم ، فإن دين الله بين المقصر والغالي . وغلا في القول إذا تجاوز المقدار . وقال ابن عباس : وذلك أن اليعقوبية وهم صنف من النصارى قالوا : عيسى هو الله . وقالت النسطورية : هو ابن الله . وقالت المرقوسية ويقال لهم الملكانية : هو ثالث ثلاثة ، فنزل { حَكِيماً يا أَهْلَ الكتاب لاَ تَغْلُواْ في دِينِكُمْ } . قال مقاتل : الغلو في الدين أن يقول على الله غير الحق . ويقال : لا تتعمقوا في دينكم . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق } يعني : لا تصنعوا بالله بما لا يليق بصفاته ، فإن الله تعالى واحد لا شريك له ولا ولد له .

ثم قال تعالى : { إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مَرْيَمَ } وهو قوله { إِنَّمَا قَوْلُنَا لشيء إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] ثم قال : { وَرُوحٌ مّنْهُ } قال ابن عباس في رواية الكلبي : يعني أمر منه فأتاها جبريل ، فنفخ في جيب درعها فدخلت تلك النفخة بطنها ، ثم وصل إلى عيسى ابن مريم فتحرك في بطنها وأمه أمة الله تعالى { فآمنوا بالله ورسله } يعني : صدقوا بوحدانية الله تعالى وبما جاءكم به الرسل من الله تعالى { وَلاَ تَقُولُواْ ثلاثة } يعني : لا تقولوا إن الله ثالث ثلاثة { انتهوا خَيْراً لَّكُمْ } يقول : توبوا إلى الله تعالى من مقالتكم ، فالتوبة خيرٌ لكن من الإصرار على الكفر { إِنَّمَا الله إله واحد } ثم نزّه نفسه عما قال الكفار فقال : { سبحانه أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } . ثم قال تعالى : { لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } من الخلق { وكفى بالله وَكِيلاً } يعني كفيلاً ويقال شاهداً ولا شاهد أفضل منه .