تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا} (171)

الغلو : مجاوزة الحد .

كلمته : وهي «كُن » التي وُجد فيها .

ألقاها إلى مريم : أوصلها إياها .

روح منه : لأنه خُلق بنفخٍ من روح الله وهو جبريل .

بعد أن انتهى القرآن من محاجّة اليهود وإنصاف سيّدنا عيسى وأمه الطاهرة من افتراءاتهم وغلوِّهم في تحقيره ، عطف هنا إلى إنصاف عيسى من غلو النصارى في شأنه ، ورفضِ ما دخل عليهم من أساطير الوثنية التي تسربت إلى عقيدة المسيح بعده ، بفعل شتى الأقوام والمِلل .

يا أهل الكتاب من اليهود ، لا تتجاوزوا الحدود التي حدّها الله ، ولا تعتقدوا إلا الحق الثابت : احذروا أن تفتروا على الله الكذب . فتنكروا رسالة عيسى ، أو تجعلوه الها مع الله . إنما هو رسول من عند الله كسائر الرسل ، خَلقه بقُدرته ، وكلمتِه التي نفخها روحه جبريل في مريم . فالمسيح سرٌّ من أسرار قدرته ، وليس ذلك بغريب . أمَا خلَقَ آدَمَ من قبله من غير أب ولا أم ! ! { إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] .

قال القاسمي في تفسيره : «يحكى أن طبيبا نصرانياً من أطباء الرشيد ناظر عليَّ بن حسن الواقدي ذات يوم فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى . وتلا هذه الآية ؟ { إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } . فقرأ الواقدي قوله تعالى في سورة الجاثية : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ } ، فقال : إذن يلزم أن يكون جميع تلك الأشياء جزءاً من الله تعالى علوا كبيرا . فانقطع النصراني وأسلم . وفرح الرشيد بذلك الجواب ووصل الواقديَّ بِصِلة فاخرةٍ .

آمِنوا يا نصارى بالله ورسله جميعاً إيماناً صحيحاً ، ونزِّهوه عن كل شريك ومثيل . لا تقولوا إن الآلهة ثلاثة . انتهوا عن هذا الباطل ، فهو نقيض لعقيدة التوحيد التي جاءت بها الأديان السماوية . إن الله يا هؤلاء واحد منزَّه عن التعدد ، فليس له أجزاء ولا أقانيم ، ولا هو مركَّب ولا متَّحد بشيء من المخلوقات .

الأقانيم : جمع أقنوم معناها الأصل ، والأقانيم الثلاثة عند النصارى هي : الأب والابن وروح القدس .

قال مرقص في الفصل الثاني عشر من إنجيله : إن أحد الكتبة ( من اليهود ) سأل يسوع عن أول الوصايا فأجابه : أول الوصايا اسمع يا إسرائيل ، الربُّ الهنا واحد . . . فقال له الكاتب «جيداً يا معلِّم ، بالحق قلتَ إنّه واحد وليس آخرُ سواه . فلما رأى يسوعُ أنه أجاب بعقلٍ قال له لستَ بعيداً عن ملكوت السماوات » .

هذا نص صريح على أن عقيدة المسيح التوحيد ، سبحانه تعالى ، تقدَّس أن يكون له ولد . وما حاجته إليه ، وكل ما في السموات والأرض ملك له ! !