معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (6)

قوله تعالى{ يومئذ يصدر الناس } يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض ، { أشتاتا } متفرقين : فآخذ ذات اليمين إلى الجنة ، وآخذ ذات الشمال إلى النار ، كقوله : { يومئذ يتفرقون }( الروم- 14 ) ، { يومئذ يصدعون }( الروم- 43 ) . { ليروا أعمالهم } قال ابن عباس : ليروا جزاء أعمالهم ، والمعنى : إنهم يرجعون عن الموقف فرقاً لينزلوا منازلهم من الجنة والنار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (6)

( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم . فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) .

وفي لمحة نرى مشهد القيام من القبور : ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) . . نرى مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض ( كأنهم جراد منتشر ) . . وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل . مشهد الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك : ( يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ) . . وحيثما امتد البصر رأى شبحا ينبعث ثم ينطلق مسرعا ! لا يلوي على شيء ، ولا ينظر وراءه ولا حواليه : ( مهطعين إلى الداع )ممدودة رقابهم ، شاخصة أبصارهم . ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .

إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر . هائل مروع . مفزع . مرعب . مذهل . . .

كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئا مما يبلغه إرسال الخيال قليلا يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق !

( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) . . ( ليروا أعمالهم ) . . وهذه أشد وأدهى . . إنهم ذاهبون إلى حيث تعرض عليهم أعمالهم ، ليواجهوها ، ويواجهوا جزاءها . ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحيانا أقسى من كل جزاء . وإن من عمله ما يهرب من مواجهته بينه وبين نفسه ، ويشيح بوجهه عنه لبشاعته حين يتمثل له في نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير . فكيف به وهو يواجه بعمله على رؤوس الأشهاد ، في حضرة الجليل العظيم الجبار المتكبر ? !

إنها عقوبة هائلة رهيبة . . مجرد أن يروا أعمالهم ، وأن يواجهوا بما كان منهم !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (6)

وقوله : { يومئذ يصدر الناس أشتاتاً } بدل من جملة : { يومئذ تحدث أخبارها } والجواب هو فعل { يصدر الناس } وقوله : { يومئذ } يتعلق به ، وقُدم على متعلقه للاهتمام . وهذا الجواب هو المقصود من الكلام لأن الكلام مسوق لإِثبات الحشر والتذكير به والتحذير من أهواله فإنه عند حصوله يعلم الناس أن الزلزال كان إنذاراً بهذا الحشر .

وحقيقة { يصدر الناس } الخروج من محل اجتماعهم ، يقال : صدر عن المكان ، إذا تركه وخرج منه صُدوراً وصَدَراً بالتحريك . ومنه الصَدَر عن الماء بعد الورد ، فأطلق هنا فعل { يصدر } على خروج الناس إلى الحشر جماعات ، أو انصرافهم من المحشر إلى مآويهم من الجنة أو النار ، تشبيهاً بانصراف الناس عن الماء بعد الورد .

وأشتات : جمع شَتّ بفتح الشين وتشديد الفوقية وهو المتفرق ، والمراد : يصدرون متفرقين جماعات كل إلى جهة بحسب أعمالهم وما عُيّن لهم من منازلهم .

وأشير إلى أن تفرقهم على حسب تناسب كل جماعة في أعمالها من مراتب الخير ومنازل الشر بقوله : { ليروا أعمالهم } ، أي يصدرون لأجل تلقي جزاء الأعمال التي عملوها في الحياة الدنيا فيقال لكل جماعة : انظروا أعمالكم ، أو انظروا مآلكم .

وبُني فعل { ليروا } إلى النائب لأن المقصود رؤيتهم أعمالهم لا تعيينُ مَن يريهم إياها . وقد أجمع القراء على ضم التحتية .

فالرؤية مستعملة في رؤية البصر والمرئي هو منازل الجزاء ، ويجوز أن تكون الرؤية مستعملة في العلم بجزاء الأعمال فإن الأعمال لا تُرى ولكن يظهر لأهلها جزاؤها .