قوله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أحبني فقد أحب الله ) ، فقال بعض المنافقين : ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه رباً كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم رباً . فأنزل الله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } أي : من يطع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله .
قوله تعالى : { ومن تولى } عن طاعته .
قوله تعالى : { فما أرسلناك } ، يا محمد .
قوله تعالى : { عليهم حفيظاً } ، أي : حافظاً ورقيباً ، بل كل أمورهم إلي . قيل : نسخ الله عز وجل هذا بآية السيف ، وأمره بقتال من خالف الله ورسوله .
( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )
وأمر الناس مع الرسول [ ص ] أن من أطاعه فقد أطاع الله . فلا تفرقه بين الله ورسوله . ولا بين قول الله وقول رسوله . . ومن تولى معرضا مكذبا فأمره إلى الله من ناحية حسابه وجزائه . ولم يرسل الرسول [ ص ] ليجبره على الهدى ، ويكرهه على الدين ، وليس موكلا بحفظه من العصيان والضلال . فهذا ليس داخلا في وظيفة الرسول ؛ ولا داخلا في قدرة الرسول .
بهذا البيان يصحح تصورهم عن حقيقة ما يقع لهم . . فكله لا ينشأ ولا يتحقق إلا بإرادة الله وقدره . وما يصيبهم من حسنة أو سيئة - بأي معنى من معاني الحسنة أو السيئة ، سواء حسب ما يرونه هم في الظاهر ، أو ما هو في حقيقة الأمر والواقع - فهو من عند الله . لأنه لا ينشى ء شيئا ولا يحدثه ولا يخلقه ويوجده إلا الله . . وما يصيبهم من حسنة حقيقية - في ميزان الله - فهو من عند الله ، لأنه بسبب منهجه وهدايته . وما يصيبهم من سيئة حقيقية - في ميزان الله - فهو من عند أنفسهم ، لأنه بسبب تنكبهم عن منهج الله والإعراض عن هدايته . .
والرسول وظيفته الأولى والأخيرة أنه رسول . لا ينشى ء ولا يحدث ولا يخلق . ولا يشارك الله تعالى في خاصية الألوهية هذه : وهي الخلق والإنشاء والإحداث . وهو يبلغ ما جاء به من عند الله ، فطاعته فيما يأمر به إذن هي طاعة لله . وليس هناك طريق آخر لطاعة الله غير طاعة الرسول . والرسول ليس مكلفا أن يحدث الهدى للمعرضين المتولين ، ولا أن يحفظهم من الإعراض والتولي . بعد البلاغ والبيان . .
حقائق - هكذا - واضحة مريحة ، بينة صريحة ؛ تبني التصور ، وتريح الشعور ؛ وتمضي شوطا مع تعليم الله لهذه الجماعة ، وإعدادها لدورها الكبير الخطير . .
والمعنى أن الرسول إنما يأمر وينهى بياناً من الله وتبليغاً ، فإنما هي أوامر الله ونواهيه ، وقالت فرقة سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من أحبني فقد أحب الله » فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة ، وقالوا : هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده ، وهو في هذا القول مدّع للربوبية ، فنزلت هذه الآية تصديقاً للرسول عليه السلام ، وتبييناً لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى ، و { تولى } معناه أعرض ، وأصل { تولى } في المعنى أن يتعدى بحرف ، فنقول تولى فلان عن الإيمان ، وتولى إلى الإيمان لأن اللفظة تتضمن إقبالاً وإدباراً ، لكن الاستعمال غلب عليها في كلام العرب على الإعراض والإدبار ، حتى استغني فيها عن ذكر الحرف الذي يتضمنه ، و { حفيظاً } يحتمل معنيين ، أي ليحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه ، أو ليحفظ مساوئهم وذنوبهم ويحسبها عليهم ، وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له ، وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقاً من الله تعالى حتى يستحكم أمر الإسلام .
هذا كالتكملة لقوله : { وأرسلناك للناس رسولاً } [ النساء : 79 ] باعتبار ما تضمّنه من ردّ اعتقادهم أنّ الرسول مصدرُ السيّئات التي تصيبهم ، ثم من قوله : { ما أصابك من حَسَنَةٍ فمِنَ الله } [ النساء : 79 ] الخ ، المؤذن بأنّ بين الخالق وبين المخلوق فَرْقا في التأثير وأنّ الرسالة معنَّى آخر فاحترَس بقوله : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } عن توهّم السامعين التفرقة بين الله ورسوله في أمور التشريع ، فأثبت أنّ الرسول في تبليغه إنّما يبلّغ عن الله ، فأمره أمرُ الله ، ونهيُه نهيُ الله ، وطاعتُه طاعةُ الله ، وقد دلّ على ذلك كلّه قولُه : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } لاشتمالها على إثبات كونه رسولاً واستلزامها أنّه يأمر وينهى ، وأنّ ذلك تبليغ لمراد الله تعالى ، فمن كان على بيّنة من ذلك أو كان في غفلة فقد بيّن الله له اختلاف مقامات الرسول ، ومن تولّى أو أعرض واستمرّ على المكابرة { فما أرسلناك عليهم حفيظاً } ، أي حارساً لهم ومسؤولاً عن إعراضهم ، وهذا تعريض بهم وتهديد لهم بأنْ صَرَفه عن الاشتغال بهم ، فيعلم أنّ الله سيتولّى عقابهم .
والتولّي حقيقته الانصراف والإدبار ، وقد تقدّم في قوله تعالى : { وإذا تَولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها } [ البقرة : 205 ] وفي قوله : { مَا ولاَهُم عن قبلتهم } في سورة البقرة ( 142 ) . واستعمل هنا مجازاً في العصيان وعدم الإصغاء إلى الدعوة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.