معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

قوله تعالى : { أو خلقاً مما يكبر في صدوركم } ، قيل : السماء والأرض والجبال . وقال مجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين : إنه الموت ، فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت ، أي : لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم . { فسيقولون من يعيدنا } ، من يبعثنا بعد الموت ؟ { قل الذي فطركم } ، خلقكم ، { أول مرة } ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة ، { فسينغضون إليك رؤوسهم } أي : يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بها ، { ويقولون متى هو } ؟ أي : البعث والقيامة ، { قل عسى أن يكون قريباً } أي : هو قريب ، لأن عسى من الله واجب ، نظيره قوله تعالى : { وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب – 63 ] .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

40

( فسيقولون : من يعيدنا )?

من يردنا إلى الحياة إن كنا رفاتا وعظاما ، أو خلقا آخر أشد إيغالا في الموت والخمود ? ( قل : الذي فطركم أول مرة ) . .

وهو رد يرجع المشكلة إلى تصور بسيط واضح مريح . فالذي أنشاهم إنشاء قادر على أن يردهم أحياء . ولكنهم لا ينتفعون به ولا يقتنعون :

( فسينغضون إليك رؤوسهم ) ينغضونها علوا أو سفلا ، استنكارا و استهزاء :

( ويقولون : متى هو ? ) : استبعادا لهذا الحادث واستنكارا .

( قل : عسى أن يكون قريبا ) . .

فالرسول لا يعلم موعده تحديدا . ولكن لعله أقرب مما يظنون . وما أجدرهم أن يخشوا وقوعه وهم في غفلتهم يكذبون ويستهزئون !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

وقال مجاهد أراد ب «الخلق » ، الذي يكبر في الصدور : السماوات والأرض والجبال ، وقال ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو والحسن وابن جبير والضحاك : أراد الموت ، وقال قتادة ومجاهد : بل أحال على فكرتهم عموماً ، ورجحه الطبري ، وهذا هو الأصح ، لأنه بدأ بشيء صلب ، ثم تدرج القول إلى أقوى منه ، ثم أحال على فكرهم ، إن شاؤوا في أشد من الحديد ، فلا وجه لتخصيص شيء دون شيء ، ثم احتج عليهم عز وجل في الإعادة بالفطرة الأولى ، من حيث خلقهم ، واخترعهم من تراب ، فكذلك يعيدهم إذا شاء ، لا رب غيره ، وقوله { فسينغضون } معناه : يرفعون ويخفضون يريد على جهة التكذيب ، قال ابن عباس : والاستهزاء .

قال الزجاج : تحريك من يبطل الشيء ويستبطئه ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

أنغض نحوي رأسه وأقنعا . . . كأنما أبصر شيئاً أطمعا{[7594]}

ويقال نغضت السنّ إذا تحركت وقال ذو الرمة : [ الطويل ]

ظعائن لم يسكن أكناف قرية . . . بسيف ولم تنغض بهن القناطر{[7595]}

قال الطبري وابن سلام و { عسى } من الله واجبة والمعنى : وهو قريب .

قال القاضي أبو محمد : وهذه إنما هي من النبي عليه السلام ، ولكنها بأمر الله ، فيقربها ذلك من الوجوب ، وكذلك قال عليه السلام «بعثت أنا والساعة كهاتين »{[7596]} ، وفي ضمن اللفظ توعد لهم .


[7594]:يستشهد ابن عطية بهذا الرجز على ـأن (أنغض) بمعنى: حرك رأسه حركة من يبطل الشيء ويستبطئه، قال الفراء: "أنغض رأسه إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل". وفي اللسان: "الرأس ينغض وينغص، لغتان"، وأقنعا:رفع بصره ووجهه إلى ما حيال رأسه من السماء مع شخوص البصر نحو الشيء لا يصرفه عنه، وفي التنزيل العيز: {مقنعي رءوسهم}. يصفه في البيتين بأنه حرك رأسه حركة من لا يقبل الشيء، وشخص ببصره نحو السماء لا يصرفه كأنه رأى شيئا طمع فيه.
[7595]:الظعائن: جمع ظعينة، والظعينة في الأصل: الجمل يظعن عليه، أو الهودج، ثم قيل للمرأة في الهودج: ظعينة، سميت بذلك على حد تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه. والأكناف: جمع كنف وهو ناحية الشيء، فأكناف القرية: نواحيها، والسيف: ساحل البحر، وقال ابن الأعرابي: الموضع النقي من الماء، وفي حديث جابر: (فأتينا سيف البحر) أي: ساحله. وقد استشهد في اللسان (نغض) بالجزء الأخير من البيت، قال: "وكل حركة في ارتجاف نغض، يقال: نغض رحل البعير وثنية الغلام نغضا ونغضانا، قال ذو الرمة: ولم تنغض بهن القناطر".
[7596]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري، ومسلم، والترمذي، عن أنس رضي الله عنه، وأخرجه الإمام أحمد أيضا في مسنده، والبخاري، ومسلم، عن سهل بن سعد، ورمز له الإمام السيوطي بالصحة في الجامع الصغير.