معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه } . الذين عبدوا العجل .

قوله تعالى : { يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم } . ضررتم بأنفسكم .

قوله تعالى : { باتخاذكم العجل } . إلهاً قالوا : فأي شيء نصنع ؟

قوله تعالى : { فتوبوا } . فارجعوا .

قوله تعالى : { إلى بارئكم } . خالقكم قالوا : كيف نتوب ؟ قال :

قوله تعالى : { فاقتلوا أنفسكم } . يعني ليقتل البريء منكم المجرم .

قوله تعالى : { ذلكم } . أي القتل .

قوله تعالى : { خير لكم عند بارئكم } . فلما أمرهم موسى بالقتل . قالوا : نصبر لأمر الله ، فجلسوا بالأفنية محتبين وقيل لهم : من حل حبوته ، أو مد طرفه إلى قاتله ، أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون ، مردودة توبته ، وأصلت القوم عليهم الخناجر ، وكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله تعالى ، قالوا : يا موسى كيف نفعل ؟ فأرسل الله تعالى عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً فكانوا يقتلونهم إلى المساء ، فلما كثر القتل دعا موسى وهارون عليهما السلام وبكيا وتضرعا وقالا : يا رب هلكت بنو إسرائيل ، البقية البقية ، فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يكفوا عن القتل ، فتكشفت عن ألوف من القتلى .

روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : كان عدد القتلى سبعين ألفاً ، فاشتد ذلك على موسى فأوحى الله تعالى إليه : أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول في الجنة ؟ فكان من قتل شهيداً ، ومن بقي مكفراً عنه ذنوبه ، فذلك قوله تعالى : { فتاب عليكم } . أي ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم ، فتجاوز عنكم .

قوله تعالى : { إنه هو التواب } . القابل للتوبة .

قوله تعالى : { الرحيم } . بهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

40

ولم يكن بد من التطهير القاسي ؛ فهذه الطبيعة المنهارة الخاوية لا تقومها إلا كفارة صارمة ، وتأديب عنيف . عنيف في طريقته وفي حقيقته :

( وإذ قال موسى لقومه : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ، فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم . ذلكم خير لكم عند بارئكم ) . .

أقتلوا أنفسكم . ليقتل الطائع منكم العاصي . ليطهره ويطهر نفسه . . هكذا وردت الروايات عن تلك الكفارة العنيفة . . وإنه لتكليف مرهق شاق ، أن يقتل الأخ أخاه ، فكأنما يقتل نفسه برضاه . ولكنه كذلك كان تربية لتلك الطبيعة المنهارة الخوارة ، التي لا تتماسك عن شر ، ولا تتناهى عن نكر . ولو تناهوا عن المنكر في غيبة نبيهم ما عبدوا العجل . وإذ لم يتناهوا بالكلام فليتناهوا بالحسام ؛ وليؤدوا الضريبة الفادحة الثقيلة التي تنفعهم وتربيهم !

وهنا تدركهم رحمة الله بعد التطهير :

( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 54 )

هذا القول من موسى صلى الله عليه وسلم كان بأمر من الله تعالى ، وحذفت الياء في «يا قومي » لأن النداء موضع حذف وتخفيف ، والضمير في «اتخاذكم » في موضع خفض على اللفظ ، وفي موضع رفع بالمعنى ، «العجل » لفظة عربية ، اسم لولد البقرة .

وقال قوم : سمي عجلاً لأنه استعجل قبل مجيء موسى عليه السلام .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وليس هذا القول بشيء( {[608]} ) .

واختلف هل بقي العجل من ذهب ؟ قال ذلك الجمهور وقال الحسن بن أبي الحسن : صار لحماً ودماً ، والأول أصح .

و «توبوا » : معناه ارجعوا عن المعصية إلى الطاعة .

وقرأ الجمهور : «بارئِكم » بإظهار الهمزة وكسرها .

وقرأ أبو عمرو : «بارئْكم » بإسكان الهمزة .

وروي عن سيبويه اختلاس الحركة وهو أحسن ، وهذا التسكين يحسن في توالي الحركات .

وقال المبرد : لا يجوز التسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب ، وقرءاة أبي عمرو «بارئكم » لحن( {[609]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : وقد روي عن العرب التسكين في حرف الأعراب ، قال الشاعر : [ الرجز ]

إذا اعوججن قلت صاحب قوم( {[610]} ) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال امرؤ القيس : [ السريع ]

فاليوم أشرب غير مستحقب . . . إثماً من الله ولا واغل( {[611]} )

وقال آخر : [ الرجز ]

قالت سليمى اشتر لنا سويقا( {[612]} ) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال الآخر : [ السريع ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وقد بدا هَنْكِ مِن المِئْزَرِ( {[613]} )

وقال جرير :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ونهر تيري فما تعرفْكُمُ العربُ( {[614]} )

وقال وضاح اليمن( {[615]} ) : [ الرجز ]

إنما شعري شهد *** قد خلط بجلجلان

ومن أنكر التسكين في حرف الإعراب فحجته أن ذلك لا يجوز من حيث كان علماً للإعراب .

قال أبو علي : وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات .

وقرأ الزهري : «باريكم » بكسر الياء من غير همز( {[616]} ) ، ورويت عن نافع .

وقرأ قتادة : «فاقتالوا أنفسكم » : وقال : «هي من الاستقالة » .

قال أبو الفتح : «اقتال » هذه افتعل ، ويحتمل أن يكون عينها واواً كاقتادوا ، ويحتمل أن يكون ياء «كاقتاس »( {[617]} ) والتصريف يضعف أن تكون من الاستقالة ، ولكن قتادة رحمه الله ينبغي أن يحسن الظن به في أنه لم يورد ذلك إلا بحجة عنده .

وقوله تعالى : { فتاب عليكم } قبله محذوف تقديره ففعلتم .

وقوله { عليكم } معناه : على الباقين ، وجعل الله تعالى القتل لمن قتل شهادة وتاب على الباقين وعفا عنهم .

قال بعض الناس : { فاقتلوا } في هذه الآية معناه بالتوبة وإماتة عوارض النفوس من شهوة وتعنت وغضب( {[618]} ) ، واحتج بقوله عليه السلام في الثوم والبصل فلتمتهما طبخاً ، وبقول حسان :

. . . . . . . . . . . . . . . . قتلت قتلت فهاتها لم تقتل( {[619]} )


[608]:- لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر.
[609]:- تلحين أبي العباس لأبي عمرو البصري لا يلتفت إليه، لأن أبا عمرو لم يقرأ إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن لغة العرب توافقه، وقد جلب ابن عطية رحمه الله ما يكفي من الشواهد، فإنكار المبرد لها هو المنكر، لا أن الذين اعترضوا على المبرد خلطوا ما حركته إعراب بما حركته بناء.
[610]:- تمامه: بالدو أمثال السفين العوم. والدو: الصحراء، والبيت منسوب إلى أبي نخيلة الراجز.
[611]:- كان قد حرم على نفسه شرب الخمر حتى يأخذ الثأر، وبعد أن أخذه أصبح الخمر مباحا في زعمه فقال: فاليوم أشر ألخ. وأشرب فعل معرب، وقد سكن آخره. وقد جاء في اللسان: واحتقب فلان الإثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه، واحتقبه واستحقبه بمعنى، أي احتمله، والواغل هنا هو الذي يدخل على القوم في طعامهم وشرابهم من غير أن يدعوه.
[612]:- تمامه: وها خبر البر أو دقيقا- ينسب هذا البيت للعذامر الكندي، وهومن مشطور الرجز. انظر شرح الشافية لابن الحاجب. وفي رواية (وهات بر البخس أو دقيقا) والبخس الذي يزرع بماء السماء.
[613]:- أوله: (رحت وفي رجليك ما فيهما)، وهو للأقيشر الأسدي كما في خزانة الأدب.
[614]:- أوله: سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ............................... قال في القاموس: ونهر تيرى كضيزى بالأهواز.
[615]:- من مشاهير شعراء الغزل، تشبب بأم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك فأمر الوليد بدفنه حيا. واسمه عبد الرحمن بن إسماعيل، سمى بالوضاح لجماله.
[616]:- هذه القراءة لها تخريجان وكلاهما شاذ، انظر أبا (ح). "البحر المحيط"1/207.
[617]:- عبارة أبي (ح): "وقرأ قتادة فيما نقل المهدوي وابن عطية والتبريزي وغيرهم: "فأقيلوا أنفسكم"، وقال الثعلبي" قرأ قتادة: "فاقتالوا أنفسكم"، فأما فأقيلوا فهو أمر من الإقالة، وكأن المعنى إن أنفسكم قد تورطت في عذاب الله بهذا الفعل العظيم الذي تعاطيتموه من عبادة العجل، وقد هلكت، فأقيلوها بالتوبة، والتزام الطاعة، وأزيلوا آثار تلك المعاصي بإظهار الطاعات، وأما فاقتالوا أنفسكم فقالوا: هو افتعل بمعنى استفعل، أي فاستقيلوها، والمشهور استقال لا اقتال، قال ابن جني: يحتمل أن يكون عينها واوا كاقتاد، ويحتمل أن يكون ياء كاقتاس" اهـ.
[618]:- في القول الأول: القتل الحقيقي بمعنى إزهاق الروح، وفي القول الثاني: القتل المعنوي بمعنى إماتة الأهواء والشهوات، والأول هو الظاهر، وقال به أكثر الناس، وهناك من يقول: فاقتلوا أنفسكم أي استسلموا لمن يقتلوا، وقد حكي أن الذين لم يعبدوا العجل قتلوا الذين عبدوه صبرا واستسلاما. فتكون الآراء في القتل ثلاثة، والأول هو الظاهر.
[619]:- نص البيت كله: إن التي ناولتني فرددتها قتِلت قُتِلْت فهاتها لم تُقْتل