تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

عبادة العجل

( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم( 54 ) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون( 55 ) ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون( 56 ) وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون( 57 )(

المفردات :

اتخاذكم العجل : أي عبادتكم العجل . فالمفعول الثاني محذوف تقديره : اتخاذكم العجل إلها أو معبودا .

برأه : ذرأه وأوجده .

54

التفسير :

54- وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم واذكروا يا بني إسرائيل لتنتفعوا وتعتبروا وقت أن قال موسى لقومه الذين عبدوا العجل حين كان يناجي ربه بعيدا عنهم ، يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم وهبطتم بها إلى الحضيض بعبادتكم العجل ، فإذا أردتم التكفير عن خطاياكم فتوبوا إلى بارئكم صادقة نصوحا ، واقتلوا أنفسكم لتنالوا عفو ربكم فذلكم خير لكم عند خالقكم من الإقامة على المعصية .

ففعلتم ما أمركم به موسى فقبل الله توبتكم وتجاوز عن سيئاتكم إنه هو التواب الرحيم بأنه هو قابل التوبة واسع الرحمة .

«وقصة القتل مذكورة في التوراة التي يتدارسها اليهود إلى اليوم ففيها دعا موسى : من للرب فإلي ، فأجابه بنو لاوى ، فأمرهم أن يأخذوا السيوف ويقتل بعضهم بعضا ففعلوه ، فقتل في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل . والعبرة من القصة لا تتوقف على عدد معين فلنمسك عنه مادام القرآن يتعرض له » ( 143 ) .

قال صاحب الكشاف :

«حمل قوله فاقتلوا أنفسكم على الظاهر وهو البخع( 144 ) . وقيل معناه قتل بغضهم بعضا ، وقيل أمر من لم يعبد العجل أن يقتلوا العبدة ، وروى أن الرجل كان يبصر ولده ووالديه وجاره وقريبه فلم يمكنهم المضي لأمر الله ، فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون تحتها ، وأمروا أن يحتبوا بأفنية بيوتهم ويأخذ الذين لم يعبدوا العجل سيوفهم ، وقيل لهم اصبروا فلعن الله من مد طرفه أو حل حبوته أو اتقى بيد أو رجل فيقولون آمين ، فقتلوهم إلى المساء حتى دعا موسى وهارون وقالا : يارب هلكت بنو إسرائيل البقية الباقية ، فكشفت السحابة ونزلت التوبة ، فسقطت الشفار ( 145 ) من أيديهم وكان القتلى سبعين ألفا ( 146 ) .

وفي الدر المنثور : قال قوم موسى له : ما توبتنا ؟ قال : يقتل بعضكم بعضا . فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه ، والله لا يبالي من قتل حتى قتل سبعون ألفا ، فأوحى الله إلى موسى مرهم فليعرفوا أيديهم وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي .

وهذه الآية الكريمة قد تضمنت نعمة كبرى على بني إسرائيل فإن الله تعالى لطف بهم ورحمهم وقبل توبتهم ، وعفا عن قتلهم أنفسهم ، بعد أن صدر منهم ما يدل على صدقهم في توبتهم ، كما تضمنت أيضا تذكير بني إسرائيل المعاصرين للعهد النبوي بنعم الله عليهم ، لأنه لولا عفوه سبحانه عن آبائهم لما وجدوا هم ، وفيها كذلك إشارة إلى سماحة الشريعة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم وإغراء لليهود المعاصرين له بالدخول في الإسلام ؛ لأنه إذا كان آباؤهم لم يقبل توبتهم إلا بقتلهم أنفسهم ، فإن شريعة الإسلام تقول لهم : لقد جاءكم النبي الذي رفع عنكم إصركم والأغلال التي كانت على أسلافكم ، فآمنوا به واتبعوه لعلكم ترحمون .