معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

قوله تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم } ، أي : فبنقضهم ، وما صلة كقوله تعالى : { فبما رحمة من الله } [ آل عمران :159 ] ، ونحوها .

قوله تعالى : { وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم } ، أي : ختم عليها .

قوله تعالى : { فلا يؤمنون إلا قليلاً } ، يعني : ممن كذب الرسل ، لا ممن طبع على قلبه ، لأن من طبع الله على قلبه لا يؤمن أبداً ، وأراد بالقليل : عبد الله بن سلام وأصحابه ، وقيل معناه : لا يؤمنون قليلاً ولا كثيراً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

148

ولكن ماذا كان ؟ إنهم بمجرد ذهاب الخوف عنهم ؛ وغياب القهر لهم ، تملصوا من الميثاق الغليظ فنقضوه ، وكفروا بآيات الله ، وقتلوا أنبياءه بغير حق . وتبجحوا فقالوا : إن قلوبنا لا تقبل موعظة ، ولا يصل إليها قول ، لأنها مغلفة دون كل قول ! وفعلوا كل الأفاعيل الأخرى التي يقصها الله سبحانه على رسوله وعلى المسلمين - في مواجهة اليهود - في سياق هذه الآيات . .

( فبما نقضهم ميثاقهم ، وكفرهم بآيات الله ، وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وقولهم قلوبنا غلف )

وعند قولهم : ( قلوبنا غلف ) . . وهي القولة التي كانوا يجيبون بها على دعوة الرسول [ ص ] إما تيئيسا له من إيمانهم واستجابتهم ، وإما استهزاء بتوجيه الدعوة إليهم ، وتبجحا بالتكذيب وعدم الإصغاء ، وإما هذا وذلك معا . . عند قولهم هذا ينقطع السياق للرد عليهم :

( بل طبع الله عليها - بكفرهم - فلا يؤمنون إلا قليلا - )

فهي ليست مغلفة بطبعها . إنما هم كفرهم جر عليهم أن يطبع الله على قلوبهم ، فإذا هي صلدة جامدة مغطاة ، لا تستشعر نداوة الإيمان ولا تتذوق حلاوته ، فلا يقع منه الإيمان ، إلا قليلا ، ممن لم يستحق بفعله ، أن يطبع الله على قلبه . أي أولئك الذين فتحوا قلوبهم للحق واستشرفوه ، فهداهم الله إليه ورزقهم إياه . وهم قلة قليلة من اليهود . كعبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسد بن سعية ، وأسد بن عبيدالله . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

وقوله تعالى { فبما نقضهم } الآية ، إخبار عن أشياء واقعوها هي في الضد مما أمروا به وذلك أن الميثاق الذي رفع الطور من أجله نقضوه ، والإيمان الذي تضمنه { ادخلوا الباب سجداً } إذ ذلك التواضع إنما هو ثمرة الإيمان والإخبات جعلوا بدله كفرهم بآيات الله ، وقولهم : حبة في شعرة وحنطة في شعيرة ، ونحو ذلك مما هو استخفاف بأمر الله وكفر به ، وكذلك أمروا أن لا يعتدوا في السبت ، وفي ضمن ذلك الطاعة وسماع الأمر ، فجعلوا بدل ذلك الانتهاء إلى انتهاك أعظم حرمة ، وهي قتل الأنبياء ، وكذلك أخذ «الميثاق الغليظ » منهم تضمن فهمهم بقدر ما التزموه ، فجعلوا بدل ذلك تجاهلهم . وقولهم { قلوبنا غلف } أي هي في حجب وغلف{[4359]} ، فهي لا تفهم ، وأخبر الله تعالى أن ذلك كله عن طبع منه على قلوبهم ، وأنهم كذبة فيما يدعونه من قلة الفهم ، وقرأ نافع «تعْدّوا » بسكون العين وشد الدال المضمومة{[4360]} ، وروى عنه ورش «تعَدّوا » بفتح العين وشد الدال المضمومة{[4361]} وقرأ الباقون «لا تعْدوا » ساكنة العين خفيفة الدال مضمومة وقرأ الأعمش والحسن «لا تعتدوا » وقوله تعالى : { فبما } ما زائدة مؤكدة ، التقدير فبنقضهم ، وحذف جواب هذا الكلام بليغ منهم ، متروك مع ذهن السامع ، تقديره لعناهم وأذللناهم ، وحتمنا على الموافين منهم الخلود في جهنم{[4362]} .


[4359]:- يقال: غلف قلبه: لم يع الرشد كأن عليه غلافا فهو أغلف- وجمع أغلف: غُلف، أي: قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول، وهذا هو المعنى الذي وضحه ابن عطية، وقال القرطبي: "غلف جمع غلاف، أي: قلوبنا أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا"
[4360]:- قال النحاس: "ولا يجوز إسكان العين، ولا يوصل إلى الجمع بين ساكنين في هذا، والذي يقرأ بها إنما يروم الخطأ. (عن القرطبي).
[4361]:- فهي –على هذا- من: عدا يعدو عدوا وعدوانا وعدوا وعداء، وكان عدوانهم باقتناص الحيتان يوم السبت. قال ذلك القرطبي.
[4362]:- ناقشه صاحب البحر في ذلك فقال: "وتسميته ما يتعلق به المجرور جوابا اصطلاحا لم يعهد في علم النحو، ولا تساعده اللغة، لأنه ليس بجواب".