إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

{ فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم } ما مزيدةٌ للتأكيد أو نكرةٌ تامةٌ ونقضُهم بدلٌ منها والباءُ متعلقةٌ بفعل محذوفٍ أي فسبب نقضِهم ميثاقَهم ذلك فعلْنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخِ وغيرِهما من العقوبات النازلةِ عليهم أو على أعقابهم . روي أنهم اعتَدَوا في السبت في عهد داودَ عليه السلام فلُعنوا ومُسِخوا قِردةً ، وقيل : متعلقةٌ بحَرَّمْنا على أن قوله تعالى : { فَبِظُلْم } [ النساء : 153 ] بدل من قوله تعالى : { فَبِمَا } وما عطف عليه فيكون التحريمُ معلّلاً بالكل ، ولا يخفى أن قولَهم : إنا قتلنا المسيحَ وقولَهم على مريمَ البهتانُ متأخرٌ عن التحريم ولا مساغ لتعلّقها بما دل عليه قوله تعالى : { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } [ النساء : 155 ] لأنه رد لقولهم : { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } [ النساء ، 155 ] فيكون من صلة قولِه تعالى : { وَقَوْلِهِمْ } المعطوفِ على المجرور فلا يعمل في جاره { وَكُفْرِهِم بآيات الله } أي بالقرآن أو بما في كتابهم { وَقَتْلِهِمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقّ } كزكريا ويحيى عليهما السلام { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمعُ أغلفَ أي هي مغشاةٌ بأغشية جِبِلِّيةٍ لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم أو هو تخفيفُ غُلُفٌ جمع غِلاف أي هي أوعيةٌ للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره قاله ابن عباس وعطاء ، وقال الكلبي : يعنون أن قلوبَنا بحيث لا يصل إليها حديثٌ إلا وعتْه ولو كان في حديثك خيرٌ لوعتْه أيضاً { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } كلامٌ معترِضٌ بين المعطوفَين جيء به على وجه الاستطرادِ مسارعةً إلى رد زعمِهم الفاسدِ أي ليس كفرُهم وعدمُ وصولِ الحقِّ إلى قلوبهم لكونها غُلفاً بحسب الجِبِلّة بل الأمرُ بالعكس حيث ختم الله عليها بسبب كفرهم أو ليست قلوبُهم كما زعموا بل هي مطبوعٌ عليها بسبب كفرِهم { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } منهم كعبد اللَّهِ بن سلام وأضرابِه أو إلا إيماناً قليلاً لا يُعبأ به .