معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا} (49)

قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح ، حتى لو قال لامرأة أجنبية : إذا نكحتك فأنت طالق ، وقال : كل امرأة أنكحها فهي طالق ، فنكح ، لا يقع الطلاق . وهو قول علي ، وابن عباس ، وجابر ، ومعاذ ، وعائشة ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وعروة ، وشريح وسعيد ابن جبير ، والقاسم وطاوس ، والحسن ، وعكرمة ، وعطاء ، وسليمان بن يسار ، ومجاهد ، والشعبي ، وقتادة ، وأكثر أهل العلم رضي الله عنهم ، وبه قال الشافعي . وروي عن ابن مسعود : أنه يقع الطلاق ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأصحاب الرأي . وقال ربيعة ، ومالك ، والأوزاعي : إن عين امرأة يقع ، وإن عمم فلا يقع . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : كذبوا على ابن مسعود ، إن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، يقول الله تعالى : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا الحسين بن محمد الدينوري ، أنبأنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة ، أنبأنا الربيع بن سليمان ، أنبأنا أيوب بن سويد ، أنبأنا ابن أبي ذئب عن عطاء ، عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا طلاق قبل النكاح " . قوله عز وجل : { من قبل أن تمسوهن } تجامعوهن ، { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } تحصونها بالأقراء والأشهر ، { فمتعوهن } أي : أعطوهن ما يستمتعن به . قال ابن عباس : هذا إذا لم يكن سمى لها صداقاً فلها المتعة ، فإن كان قد فرض لها صداقاً فلها نصف الصداق ولا متعة لها . وقال قتادة : هذه الآية منسوخة بقوله : { فنصف ما فرضتم } وقيل : هذا أمر ندب ، فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر . وذهب بعضهم إلى أنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية . { وسرحوهن سراحاً جميلاً } خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا} (49)

49

( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ، فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) . .

ولقد سبق في سورة البقرة بيان حكم المطلقات قبل الدخول في قوله تعالى :

( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ، ومتعوهن على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره ، متاعا بالمعروف حقا على المحسنين . وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح . وأن تعفوا أقرب للتقوى ، ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير ) . .

فالمطلقة قبل الدخول إن كان قد فرض لها مهر ، فلها نصف ذلك المهر المسمى . وإن لم يذكر لها مهر فلها متاع يتبع قدرة المطلق سعة وضيقا . . وقد زاد هنا في آية الأحزاب بيان حكم العدة لهذه المطلقة وهو ما لم يذكر في آيتي البقرة . فقرر أن لا عدة عليها . إذ أنه لم يكن دخول بها . والعدة إنما هي استبراء للرحم من الحمل ، وتأكد من أنها خالية من آثار الزواج السابق ، كي لا تختلط الأنساب ، ولا ينسب إلى رجل ما ليس منه ، ويسلب رجل ما هو منه في رحم المطلقة . فأما في حالة عدم الدخول فالرحم بريئة ، ولا عدة إذن ولا انتظار : ( فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) . . ( فمتعوهن )إن كان هناك مهر مسمى فبنصف هذا المهر ، وإن لم يكن فمتاع مطلق يتبع حالة الزوج المالية . ( وسرحوهن سراحا جميلا ) . . لا عضل فيه ولا أذى . ولا تعنت ولا رغبة في تعويقهن عن استئناف حياة أخرى جديدة .

وهذا حكم عام جاء في سياق السورة في صدد تنظيم الحياة العامة للجماعة المسلمة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا} (49)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } نجامعوهن ، وقرأ حمزة الكسائي بألف وضم التاء . { فما لكم عليهن من عدة } أيام يتربصن فيها بأنفسهن . { تعتدونها } تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها كقولك : كلته فاكتاله ، أو تعدونها . والإسناد إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما أشعر به فما لكم ، وعن ابن كثير " تعتدونها " مخففا على إبدال إحدى الدالية بالياء أو على أنه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها ، وظاهره يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة وتخصيص المؤمنات والحكم عام للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخييرا لنطفته ، وفائدة ثم إزاحة ما عسى أن يتوهم تراخي الطلاق ريثما تمكن الإصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة . { فمتعوهن } أي إن لم يكن مفروضا لها فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة ويجوز أن يؤول التمتيع بما يعمهما ، أو الأمر بالمشترك بين الوجوب والندب فإن المتعة سنة للمفروض لها . { وسرحوهن } أخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة . { سراحا جميلا } من غير ضرار ولا منع حق ، ولا يجوز تفسيره بالطلاق السني لأنه مرتب على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا} (49)

ثم خاطب تعالى المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء{[9536]} ، واستدل بعض الناس بقوله { ثم طلقتموهن } وبمهلة ثم على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح ، وأن من طلق المرأة قبل نكاحها وإن عينها فإن ذلك لا يلزمه ، وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام ، سمى البخاري منهم اثنين وعشرين{[9537]} ، وقالت طائفة عظيمة من أهل العلم : إن طلاق المعينة الشخص أو القبيل أو البلد لازم قبل النكاح ، فمنهم مالك وجميع أصحابه وجمع عظيم من علماء الأمة ، وقرأ جمهور القراء «تمسوهن » ، وقرأ حمزة والكسائي وطلحة وابن وثاب «تماسوهن » والمعنى فيهما الجماع وهذه العدة إنما هي لاستبراء الرحم وحفظ النسب في الحمل ، فمن لم تمس فلا يلزم ذلك فيها ، وقرأ جمهور الناس «تعتدّونها » بشد الدال على وزن تفتعلونها من العدد ، وروى ابن أبي بزة عن أبي بكر «تعتدُونها » بتخفيف ضمة الدال من العدوان ، كأنه قال فما لكم عدة تلزمونها عدواناً وظلماً لهن{[9538]} ، والقراءة الأولى أشهر عن أبي بكر ، وتخفيف الدال وهم من ابن أبي بزة{[9539]} .

ثم أمر تعالى بتمتيع المطلقة قبل البناء ، واختلف الناس في المتعة ، فقال فرقة هي واجبة ، وقالت فرقة هي مندوب إليها منهم مالك وأصحابه ، وقالت فرقة المتعة للتي لم يفرض لها ونصف المهر للتي فرض لها ، وقال سعيد بن المسيب : بل المتعة كانت لجميعهن بهذه الآية ، ثم نسخت آية البقرة بالنصف لمن فرض لها ما تضمنته هذه الآية من المتعة .

وهذه الآية خصصت آيتين إحداهما ، والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء{[9540]} ، فخصصت هذه الآية من لم يدخل بها ، وكذلك خصصت من ذوات الثلاثة الأشهر ، وهن من قعدن عن المحيض{[9541]} ، ومن لم يحضن من صغر المطلقات قبل البناء ، و «السراح الجميل » هو الطلاق تتبعه عشرة حسنة وكلمة طيبة دون مشادة ولا أذى .


[9536]:يقال: بنى بزوجته وعليها: دخل بها.(المعجم الوسيط).
[9537]:سماهم البخاري في باب(لا طلاق قبل النكاح)، لكنه ذكر أربعة وعشرين اسما.
[9538]:في بعض النسخ:"فما لكم من عدة تلزمونها عدوانا وظلما وظلما لهن".
[9539]:قال أبو حيان تعقيبا على كلام ابن عطية بعد أن ذكره:"وليس بوهم؛ إذ قد نقلها عن ابن كثير ابن خالويه، وأبو الفضل الرازي في كتاب"اللوامح" في شواذ القراءات، ونقلها الرازي المذكور عن أهل مكة، وقال: هو من الاعتداد لا محالة، لكنهم كرهوا التضعيف فخففوه، فإن جعلت من الاعتداء الذي هو الظلم ضعف؛ لأن الاعتداء يتعدى بعلى"، ثم أكمل أبو حيان كلامه فقال:"وإذا كان يتعدى بعلى فيجوز أن يحذف(على) ويصل الفعل على الضمير، نحو قوله: تحن فتبدي ما بها من صبابة وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني أي: لقضى علي".وقال الزمخشري:"وقرئ(تعتدونها) مخففا، أي: تعتدون فيها، كقوله: ويوما شهدناه، والمراد بالاعتداء ما في قوله:{ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}، ومعنى كلامه أنه لما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى ضمير العدة، وذلك قول الشاعر:د ويوما شهدناه سليما وعامرا أي:شهدنا فيه سليما وعامرا، أما على تقدير(على) فيكون المعنى: تعتدون عليهن فيها.
[9540]:من الآية(228) من سورة(البقرة).
[9541]:وهن اللائي ذكرهن الله سبحانه وتعالى في قوله:{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر}-من الآية(4) من سورة(الطلاق).