تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا} (49)

{ يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } .

المفردات :

نكحتم : عقدتم .

تمسوهن : تجامعوهن .

فمتعوهن : فأعطوهن المتعة .

وسرحوهن : خلوا سبيلهن من غير إضرار ولا إيذاء إذ ليس لكم عليهن عدة .

التفسير :

يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم عقد النكاح على امرأة مؤمنة ، ثم تم الطلاق قبل الدخول بها فليس عليها عدة ، لأن العدة لتعرف براءة الرحم أو للحداد على الزوج وهذا لم يدخل عليها زوجها ولم يخل بها خلوة شرعية ، لكن ينبغي تطييب خاطرها وكسوتها بملابس مناسبة لحال الزوج حسب يساره أو إعساره وينبغي أن يتم الطلاق بالمعروف بدون نزاع أو مخاصمة ، بل يتم مع كرامة وعطاء وتسامح فهذا هو ( السراح الجميل ) أي الطلاق الكريم وقيل السراح الجميل ألا يطالبوهن بما آتوهن .

في أعقاب التفسير

جاء في التفسير المنير 22/50-54 ، عدة أسماء للنبي صلى الله عليه وسلم رغبت أن أنقلها هنا حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتيمنا بأسمائه المباركة وعشقا لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم .

فقه الحياة أو الأحكام :

تضمنت الآيات الأحكام التالية :

أولا : وصف النبي صلى الله عليه وسلم بسبع صفات أو سمات فهو الشاهد على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم وهو المبشر للمؤمنين برحمة الله وبالجنة ، وهو المنذر للعصاة والمكذبين من النار وعذاب الخلد ، وهو الداعي إلى الله بتبليغ التوحيد والأخذ به ومكافحة الكفرة وهو نور كالسراج الوضاء بشرعه الذي أرسله الله به وهو الذي بشر المؤمنين بالفضل الكبير من الله تعالى وهو ذو شرع مستقل مطالب بألا يطيع الكافرين فيما يشيرون عليه من أنصاف الحلول والمداهنة في الدين والممالأة ، لكنه مأمور أيضا أن يدع أذاهم مجازاة على إيذائهم إياه فلا يعاقبهم وإنما يصفح عن زللهم معتمدا على الله وحده بنصر دينه وحفظه وتأييده وعصمته من الناس .

روى ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس قال لما نزلت : { يأيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا على الله بإذنه وسراجا منيرا } . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا فقال : " انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا فإنه قد نزل علي الليلة آية : { يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا } . بالجنة ونذيرا من النار { وداعيا إلى الله }- شهادة أن لا إله إلا الله- { بإذنه } –بأمره- { وسراجا منيرا } . بالقرآن " .

ثانيا قال القرطبي 50 هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وتكريم لجميعهم وهذه الآية تضمنت من أسمائه صلى الله عليه وسلم ستة أسماء ولنبينا صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة وسمات جليلة ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة وقد سماه الله في كتابه محمدا وأحمد .

وقال صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه الثقات العدول عند الطبراني عن جابر : " لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب " وفي صحيح مسلم من حديث جبير بن مطعم : وقد سماه الله رؤوفا رحيما ، وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فيقول : " أنا محمد وأحمد والمقفى ( أي أنه آخر الأنبياء ) والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة " .

وذكر القاضي ابن العربي في أحكامه ( 2/1534 ) بمناسبة هذه الآية سبعة وستين اسما للنبي صلى الله عليه وسلم هي :

الرسول ، المرسل ، النبي ، الأمي ، الشهيد ، المصدق ، النور ، المسلم ، البشير ، المبشر ، النذير ، المنذر ، المبين ، الأمين ، 51 العبد ، الداعي ، السراج ، المنير ، الإمام ، الذكر ، المذكر ، الهادي ، المهاجر ، العامل ، المبارك ، الرحمة ، الآمر ، الناهي ، الطيب ، الكريم ، المحلل ، المحرم ، الواضع ، الرافع ، المخبر ، خاتم النبيين ، ثاني اثنين ، منصور ، أذن خير ، مصطفى ، أمين ، مأمون ، قاسم ، نقيب ، مزمل ، مدثر ، العلي ، الحكيم ، المؤمن ، المصدق52 ، الرءوف ، الرحيم ، الصاحب ، الشفيع ، المشفع ، المتوكل ، محمد ، احمد ، الماحي ، الحاشر ، المقفى ، العاقب ، نبي التوبة ، نبي الرحمة ، نبي الملحمة ، عبد الله ، نبي الحرمين ، ذكر ذلك أهل ما وراء النهر .

فالرسول : الذي تتابع خبره عن الله وهو المرسل من ربه والمرسل غيره لتبليغ الشرائع إلى الناس مشافهة ، والنبيء : مهموز من النبأ وهو الخبر وغير مهموز من النبوة وهو المرتفع من الأرض فهو مخبر عن الله رفيع القدر عنده والأمي : الذي لا يقرأ ولا يكتب والشهيد لشهادته على الخلق في الدنيا والآخرة . والمصدق بجميع الأنبياء قبله وصدق ربه بقوله وصدق قوله بفعله ، والمنور الذي نور الله به الأفئدة بالإيمان والعلم وبدء ظلمات الكفر والجهل ، والمسلم : خير المسلمين وأولهم ، والبشير : الذي أخبر الخلق بثوابهم إن أطاعوا وبعقابهم إن عصوا ، والنذير والمنذر : المخبر عما يخاف ويحذر ، والمبين : الذي أبان عن ربه الوحي والدين وأظهر الآيات والمعجزات ، والأمين : الذي حفظ ما أوحي إليه وما وظف به ، والعبد : الذي ذل لله خلقا وعبادة والداعي الخلق إلى الحق وترك الضلال ، والسراج : النور الذي يبصر به الخلق الرشد ، والمنير : المنور والإمام المقتدي به المرجوع إلى قوله وفعله ، والذكر : الشريف في نفسه المشرف غيره ، والمذكر : الذي يخلق الله على يديه الذكر أي تذكر الله ، والهادي الذي أبان النجدين أي طريقي الخير والشر والمهاجر : لأنه هجر ما نهى الله عنه ، وهجر أهله ووطنه ، والعامل : لأنه قام بطاعة ربه ووافق فعله قوله واعتقاده ، والمبارك : الذي جعل الله في حالة زيادة الثواب وفي حال أصحابه فضائل الأعمال وفي أمته زيادة العدد على جميع الأمم : والرحمة : الذي رحم الله به العالمين في الدنيا من العذاب الشامل ، وفي الآخرة بتعجيل الحساب ، والآمر والناهي : المبلغ الأمر والنهي ، والطيب : فلا أطيب منه لسلامته عن خبث القلب وخبث القول وخبث الفعل ، والكريم : الجواد على التمام والكمال ، والمحلل والمحرم : مبين الحلال والحرام ، والواضع والرافع : الذي وضع الله به قوما ورفع به آخرين والمخبر : النبيء : وخاتم النبيين : آخرهم ، وثاني اثنين : أحد اثنين والآخر أبو بكر في غار جبل ثور ، والمنصور : المعان من قبل الله بالعزة والظهور على الأعداء ، وأذن خير : لا يعي من الأصوات إلا خيرا ولا يسمع إلا الأحسن ، والمصطفى : المخبر عنه بأنه صفوة الخلق . والأمين كما تقدم : المؤتمن على المعاني والمأمون : الذي لا يخاف من جهته شر ، وقاسم : يقسم الزكوات والأخماس وسائر الأموال بين الناس ونقيب : يتولى الأمور ويحفظ الأخبار وقد وصف نفسه للأنصار بذلك فقال : أنا نقيبكم ، والمزمل : المتلفف بثيابه ، والمدثر : المصدق لربه اعتقادا وفعلا ، والرؤوف : الرحيم لما أعطاه الله من الشفقة على الناس ، والصاحب : الذي كان مع أتباعه حسن المعاملة عظيم الوفاء ، والشفيع المشفع : الراغب على الله في أمر الخلق بتعجيل الحساب وإسقاط العذاب وتخفيفه ، والمتوكل : الملقى مقاليد الأمور إلى الله علما وعملا ، والمقفى : العابد ، ونبي التوبة : لأنه تاب الله على أمته بالقول والاعتقاد دون تكليف بقتل أو إصر ، ونبي الرحمة : المشفق على الناس ، ونبي الملحمة : المبعوث بحرب الأعداء والنصر عليهم .

ثالثا يرى مجاهد أن الأمر بالعفو والصفح عن الكافرين في قوله تعالى : { ودع أذاهم . . . } منسوخ بآية السيف .

رابعا : في آية : { إذا نكحتم المؤمنات . . . } أحكام كثيرة منها :

1- المرأة المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها بنص الكتاب وإجماع الأمة على ذلك فإن دخل بها فعليها العدة إجماعا .

والمشهور عند الفقهاء أن العدة ليست خالص حق العبد وإنما يتعلق بها حق الله وحق العبد معا ، لأن منع الفساد باختلاط الأنساب من حق الشارع أيضا ولا تسقط العدة إذا أسقطها المطلق لأن الشرع أثبتها والعدة شرعا المدة التي تنتظر فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل أو للتعبد أو للتفجع على زوج مات .

2- إطلاق النكاح على العقد وحده ، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها وقد اتفق العلماء على أن المراد بالنكاح هنا العقد ، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد والنكاح في الأصل حقيقة في الوطء ولكن من أدب القرآن الكناية عن الوطء أو الجماع بألفاظ الملابسة والممارسة والقربان والتغشي والإتيان . وسمى العقد نكاحا من حيث إنه طريق إليه كتسمية الخمر إثما لأنها سبب في اقتراف الإثم .

3- إباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها ، وهذه الآية مخصصة لقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء . . . } ( البقرة : 228 ) ولقوله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر . . . } ( الطلاق : 4 ) .

4- قوله تعالى : { المؤمنات . . . } خرج مخرج الغالب من حال المؤمنين أنهم لا يتزوجون إلا بمؤمنات ولكن لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في إباحة الزواج بالاتفاق . 53 أه .

***