نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا} (49)

ولما أمر سبحانه بإبلاغ أوامره من غير التفات إلى أحد غيره ، وكان من المعلوم أنه لا بد في ذلك من محاولات ومنازعات ، لا يقوم بها إلا من أعرض عن الخلائق ، لما هو مشاهد له من عظمة الخالق ، أمر سبحانه بالتوكل عليه ، وأقام الدليل الشهودي بقصة الأحزاب وقريظة على كفاية لمن أخلص له ، فلما تم الدليل رجع إلى بيان ما افتتح به السورة من الأحكام بعد إعادة الأمر بالتوكل ، فذكر أقرب الطلاق إلى معنى المظاهرة المذكورة أول السورة بعد الأمر بالتوكل التي محط قصدها عدم قربان المظاهر عنها بعد أن كان أبطل المظاهرة . فقال ناهياً لمن هو في أدنى أسنان الإيمان بعد بشارة المؤمنين{[55785]} قاطعاً لهم عما كانوا يشتدون به في التحجر على المرأة المطلقة لقصد مضاجرتها أو تمام التمكن من التحكم فيها : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادعوا ذلك { إذا نكحتم } أي عاقدتم ، أطلق اسم المسبب على السبب فقد صار فيه حقيقة شرعية { المؤمنات } أي الموصوفات بهذا الوصف الشريف المقتضي لغاية الرغبة فيهن وأتم الوصلة بينكم وبينهن .

ولما كان طول مدة الحبس بالعقد من غير جماع لا يغير الحكم في العدة وإن غيرها في النسب بمجرد إمكان الوطىء ، وكان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح وبعد حل الوطىء بالنكاح{[55786]} ، أشار إليه بحرف التراخي فقال : { ثم طلقتموهن } أي بحكم التوزيع ، وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود رضي الله عنهم يقول بصحة تعليق الطلاق قبل النكاح فقال : زلة علم - وتلا هذه الآية .

ولما كان المقصود نفي المسيس في هذا النكاح لا مطلقاً ، وكانت العبرة في إيجاب المهر بنفس الوطىء لا بإمكانه{[55787]} وإن حصلت الخلوة ، أدخل الجار فقال : { من قبل أن تسموهن } أي تجامعوهن ، أطلق المسّ على الجماع لأنه طريق له كما سمي الخمر إثماً لأنها سببه . ولما كانت العدة حقاً للرجال قال : { فما لكم } ولما كانت العدة واجبة ، عبر بأداة الاستعلاء فقال : { عليهن } وأكد النفي بإثبات الجار في قوله : { من عدة } ودل على اعتيادهم ذلك ومبالغتهم فيه والمضاجرة به كما في الظهار بالافتعال فقال : { تعتدونها } أي تتكلفون عدها وتراعونه ، و{[55788]} روي عن ابن كثير{[55789]} من طريق البزي شاذاً بتخفيف{[55790]} الدال بمعنى تتكلفون الاعتداء بها على المطلقة .

ولما كان هذا الحكم - الذي معناه الانفصال{[55791]} - للمؤمنات اللاتي لهن صفات تقتضي دوام العشرة وتمام الاتصال ، كان{[55792]} ذلك للكتابيات من باب الأولى ، وفائدة التقييد الإرشاد إلى أنه لا ينبغي العدول عن المؤمنات ، بل ولا عن الصالحات من المؤمنات . ولما كان الكلام كما أشير إليه في امرأة قريبة من المظاهر{[55793]} عنها ، وكان ما خلا من الفرض للصداق أقرب إلى ذلك ، سبب عما مضى قوله : { فمتعوهن } ولم يصرح بأن ذلك لغير من سمى لها{[55794]} لتدخل المسمى لها في الكلام على طريق الندب مع ما لها من نصف المسمى{[55795]} كما دخلت الأولى وجوباً { وسرحوهن } أي أطلقوهن{[55796]} ليخرجن من منازلكم ولا تعتلوا عليهن بعلة { سراحاً جميلاً * } بالإحسان قولاً وفعلاً من غير ضرار بوجه أصلاً{[55797]} ليتزوجهن من شاء .


[55785]:زيد من ظ ومد.
[55786]:زيد من ظ ومد.
[55787]:من ظ وم، وفي الأصل: مكانه.
[55788]:زيد من ظ ومد.
[55789]:راجع نثر المرجان 5/421.
[55790]:من ظ ومد، وفي الأصل: تخفيف.
[55791]:من ظ ومد، وفي الأصل: لاتصال.
[55792]:من ظ ومد، وفي الأصل: وكان.
[55793]:ومن هنا نستأنف نسخة م.
[55794]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بها.
[55795]:زيد من ظ وم ومد.
[55796]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: طلقوهن.
[55797]:زيد من ظ وم ومد.