قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } الآية .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قيس بن حفص ، حدثنا عبد الواحد - يعني ابن زياد - حدثنا الأعمش عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله قال : بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث المدينة ، وهو يتوكأ على عسيب معه ، فمر بنفر من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، وقال بعضهم : لا تسألوه ، لا يجيء فيه بشيء تكرهونه ، فقال بعضهم لنسألنه ، فقام رجل منهم ، فقال : يا أبا القاسم ما الروح ؟ فسكت ، فقلت : إنه يوحى إليه ، فقمت ، فلما انجلى عنه الوحي ، قال : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) وفي رواية ( وما أتو من العلم إلا قليلا ) قال الأعمش : هكذا في قراءتنا . وروي عن ابن عباس أنه قال : إن قريشاً قد اجتمعوا وقالوا : إن محمداً نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب ، وقد ادعى ما ادعى ، فابعثوا نفراً إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب فبعثوا جماعة إليهم ، فقالت اليهود : سلوه عن ثلاثة أشياء ، فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها ، فليس بنبي ، وإن أجاب عن اثنتين ولم يجب عن واحدة فهو نبي ، فسلوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ، ما كان من أمرهم ؟ فإنه كان لهم حديث عجيب ، وعن رجل بلغ شرق الأرض و غربها ما خبره ، وعن الروح ؟ فسألوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أخبركم بما سألتم غداً ولم يقل إن شاء الله ، فلبث الوحي - قال مجاهد : اثني عشرة ليلة ، وقيل : خمسة عشر يوماً وقال عكرمة : أربعين يوماً - وأهل مكة يقولون : وعدنا محمد غداً وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء ، حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي وشق عليه ما يقوله أهل مكة ، ثم نزل جبريل بقوله ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله ) ، ونزلت قصة الفتية ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً ) ، ونزل فيمن بلغ الشرق والغرب ( ويسألونك عن ذي القرنين ) ، ونزل في الروح ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) . واختلفوا في الروح الذي وقع السؤال عنه ، فروي عن ابن عباس : أنه جبريل ، وهو قول الحسن و قتادة . وروي عن علي أنه قال : هو ملك له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان ، يسبح الله تعالى بكلها . وقال مجاهد : خلق على صور بني آدم ، لهم أيد وأرجل ورؤوس ، وليسوا بملائكة ، ولا ناس ، يأكلون الطعام . وقال سعيد بن جبير : لم يخلق الله تعالى خلقاً أعظم من الروح غير العرش ، لو شاء أن يبتلع السماوات السبع والأرضيين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل ، صورة خلقه على صورة خلق الملائكة وصورة وجهه على صورة الآدميين ، يقوم يوم القيامة عن يمين العرش وهو أقرب الخلق إلى الله عز وجل اليوم عند الحجب السبعين ، وأقرب إلى الله يوم القيامة وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ، ولولا أن بينه وبين الملائكة ستراً من نور لاحترق أهل السماوات من نوره . وقيل : الروح هو القرآن . وقيل : المراد منه عيسى عليه السلام ، فإنه روح الله وكلمته ، ومعناه : أنه ليس كما يقول اليهود ولا كما يقوله النصارى . وقال قوم : هو الروح المركب في الخلق الذي يحيا به الإنسان ، وهو الأصح . وتكلم فيه قوم فقال بعضهم : هو الدم ، ألا ترى أن الحيوان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم ؟ . وقال قوم : هو نفس الحيوان ، بدليل أنه يموت باحتباس النفس . وقال قوم : هو عرض . وقال قوم : هو جسم لطيف . وقال بعضهم : الروح معنىً اجتمع فيه النور والطيب والعلو والبقاء ، ألا ترى أنه إذا كان موجوداً يكون الإنسان موصوفاً بجميع هذه الصفات ، فإذا خرج ذهب الكل ؟ . وأولى الأقاويل : أن يوكل علمه إلى الله عز وجل ، وهو قول أهل السنة . قال عبد الله بن بريدة إن الله لم يطلع على الروح ملكاً مقرباً ، ولا نبياً مرسلاً . وقوله عز وجل : ( قل الروح من أمر ربي ) قيل : من علم ربي { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } أي : في جنب علم الله . قيل : هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم . وقيل : خطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معنى الروح ، ولكن لم يخبر به أحداً لأن ترك إخباره به كان علماً لنبوته . والأول أصح ، لأن الله عز وجل استأثر بعلمه .
وراح بعضهم يسأل الرسول [ ص ] عن الروح ما هو ? والمنهج الذي سار عليه القرآن - وهو المنهج الأقوم - أن يجيب الناس عما هم في حاجة إليه ، وما يستطيع إدراكهم البشري بلوغه ومعرفته ؛ فلا يبدد الطاقة العقلية التي وهبها الله فيما لا ينتج ولا يثمر ، وفي غير مجالها الذي تملك وسائله وتحيط به . فلما سألوه عن الروح أمره الله أن يجيبهم بأن الروح من أمر الله ، اختص بعلمه دون سواه :
( ويسألونك عن الروح . قل : الروح من أمر ربي . وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) . .
وليس في هذا حجر على العقل البشري أن يعمل . ولكن فيه توجيها لهذا العقل أن يعمل في حدوده وفي مجاله الذي يدركه . فلا جدوى من الخبط في التيه ، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه لأنه لا يملك وسائل إدراكه . والروح غيب من غيب الله لا يدركه سواه ، وسر من أسراره القدسية أودعه هذا المخلوق البشري وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها . وعلم الإنسان محدود بالقياس إلى علم الله المطلق ، وأسرار هذا الوجود أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود . والإنسان لا يدبر هذا الكون فطاقاته ليست شاملة ، إنما وهب منها بقدر محيطه وبقدر حاجته ليقوم بالخلافة في الأرض ، ويحقق فيها ما شاء الله أن يحققه ، في حدود علمه القليل .
ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع ؛ ولكنه وقف حسيرا أمام ذلك السر اللطيف - الروح - لا يدري ما هو ، ولا كيف جاء ، ولا كيف يذهب ، ولا أين كان ولا أين يكون ، إلا ما يخبر به العليم الخبير في التنزيل .
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عَلْقَمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود رضي الله عنه - قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة ، وهو متوكئ على عَسِيب ، فمر بقوم من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . فقال بعضهم : لا تسألوه . قال : فسألوه عن الروح فقالوا{[17811]} يا محمد ، ما الروح ؟ فما زال متوكئًا على العسيب ، قال : فظننت أنه يوحى إليه ، فقال : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } فقال بعضهم لبعض : قد قلنا لكم لا تسألوه .
وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش ، به{[17812]} . ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية ، عن عبد الله بن مسعود قال : بينا أنا مع النبي{[17813]} صلى الله عليه وسلم في حَرْث ، وهو متوكئ{[17814]} على عسيب ، إذ مر اليهود{[17815]} فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فقال : ما رابكم{[17816]} إليه . وقال بعضهم : لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه . فقالوا سلوه فسألوه عن الروح ، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئًا ، فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : { وَيَسْأَلُونَكَ{[17817]} عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } الآية{[17818]} .
وهذا السياق يقتضي{[17819]} فيما يظهر بادي الرأي : أن هذه الآية مدنية ، وأنها إنما نزلت حين سأله اليهود ، عن ذلك بالمدينة ، مع أن السورة كلها مكية . وقد يجاب عن هذا : بأنه قد يكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك ، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه ، وهي هذه الآية : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما قال الإمام أحمد :
حدثنا قتيبة ، حدثنا يحيى بن زكريا ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قالت قريش ليهود : أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل . فقالوا : سلوه عن الروح . فسألوه ، فنزلت : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } قالوا : أوتينا علمًا كثيرًا ، أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا . قال : وأنزل الله : { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } [ الكهف : 109 ]{[17820]} .
وقد روى ابن جرير ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن داود ، عن عكرمة قال : سأل أهلُ الكتاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ، فأنزل الله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } فقالوا يزعم{[17821]} أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة ، وهي الحكمة { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } ؟ [ البقرة : 269 ] قال : فنزلت : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ } [ لقمان : 27 ] . قال : ما أوتيتم من علم ، فنجاكم الله به من النار ، فهو كثير طيب وهو في علم الله قليل{[17822]} .
وقال محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت بمكة : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، أتاه أحبار يهود . وقالوا يا محمد ، ألم
يبلغنا عنك أنك تقول : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } أفَعَنَيْتَنَا أم عنيت قومك ؟ فقال : " كلا قد عنيت " . قالوا : إنك تتلو أنا أوتينا التوراة ، وفيها تبيان كل شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم ما إن عملتم به استقمتم " ، وأنزل الله : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ لقمان : 27 ] .
وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا على أقوال :
أحدها : أن المراد [ بالروح ]{[17823]} : أرواح بني آدم .
قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } الآية ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا عن{[17824]} الروح ؟ وكيف تعذب الروح التي في الجسد ، وإنما الروح من الله ؟ ولم يكن نزل عليه فيه شيء ، فلم يُحِرْ إليهم شيئًا . فأتاه جبريل فقال له : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقالوا : من جاءك بهذا ؟ فقال : " جاءني به جبريل من عند الله ؟ " فقالوا له : والله ما قاله لك إلا عدو لنا . فأنزل الله : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ]{[17825]} } الآية [ البقرة : 97 ] .
وقيل : المراد بالروح هاهنا : جبريل . قاله قتادة ، قال : وكان ابن عباس يكتمه .
وقيل : المراد به هاهنا : ملك عظيم بقدر المخلوقات كلها . قال{[17826]} علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } يقول : الروح : ملك .
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله بن عُرْس{[17827]} المصري ، حدثنا وهب بن رزق أبو هريرة{[17828]} حدثنا بشر بن بكر ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا عطاء ، عن عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لله ملكًا ، لو قيل له : التقم السماوات السبع والأرضين{[17829]} بلقمة واحدة ، لفعل ، تسبيحه : سبحانك حيث كنت " {[17830]} .
وقال أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : حدثني علي ، حدثني عبد الله ، حدثني أبو نِمْران يزيد بن سَمُرَة صاحب قيسارية ، عمن حدثه عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال في قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } قال : هو مَلَك من الملائكة ، له سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف لسان ، لكل لسان منها [ سبعون ]{[17831]} ألف لغة ، يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ، يخلق الله من كل تسبيحة مَلَكًا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة{[17832]} .
وهذا أثر غريب عجيب ، والله أعلم .
وقال السهيلي : روي عن عليّ أنه قال : هو ملك ، له مائة ألف رأس ، لكل رأس مائة ألف وجه ، في كل وجه مائة ألف فم ، في كل فم مائة ألف لسان ، يسبح الله تعالى بلغات مختلفة .
قال السهيلي : وقيل المراد بذلك : طائفة من الملائكة على صور بني آدم .
وقيل : طائفة يرون الملائكة ولا تراهم{[17833]} فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم .
وقوله : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي : من شأنه ، ومما استأثر بعلمه دونكم ؛ ولهذا قال : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } أي : وما أطلعكم من علمه إلا على القليل ، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى .
والمعنى : أن علمكم في علم الله قليل ، وهذا الذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر به تعالى ، ولم يطلعكم عليه ، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى . وسيأتي إن شاء الله في قصة موسى والخضر : أن الخضر نظر إلى عصفور وقع على حافة السفينة ، فنقر في البحر نقرة ، أي : شرب منه بمنقاره ، فقال : يا موسى ، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر . أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه ؛ ولهذا قال تبارك وتعالى : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا }
وقال السهيلي : قال بعض الناس : لم يجبهم عما سألوا ؛ لأنهم سألوا على وجه التعنت . وقيل : أجابهم ، وعول السهيلي على أن المراد بقوله : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي : من شرعه ، أي : فادخلوا فيه ، وقد علمتم ذلك لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة ، وإنما ينال من جهة الشرع . وفي هذا المسلك الذي طرقه وسلكه نظر ، والله أعلم .
ثم ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس ، أو غيرها ، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء ، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر . وقررّ أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن ، واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم ، فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء . قال : كما أن الماء هو حياة الشجر ، ثم يكسب{[17834]} بسبب اختلاطه معها اسمًا خاصًا ، فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مُصْطَارًا أو خمرًا ، ولا يقال له : " ماء " حينئذ إلا على سبيل المجاز ، وهكذا لا يقال للنفس : " روح " إلا على هذا النحو ، وكذلك لا يقال للروح : نفس{[17835]} إلا باعتبار ما تئول إليه . فحاصل ما يقول أن الروح أصل النفس ومادتها ، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن ، فهي هي من وجه لا من كل وجه{[17836]} وهذا معنى حسن ، والله أعلم .
قلت : وقد تكلم الناس في ماهية الروح وأحكامها وصنفوا في ذلك كتبًا . ومن أحسن من تكلم على ذلك الحافظ ابن منده ، في كتاب سمعناه في : الروح{[17837]} .
{ ويسألونك عن الروح } الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره . { قل الروح من أمر ربي } من الإبداعيات الكائنة ب { كن } من غير مادة وتولد من أصل كأعضاء جسده ، أو وجد بأمره وحدث بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه . وقيل مما استأثر الله بعلمه . لما روي : أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح ، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي ، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة . وقيل الروح جبريل وقيل خلق أعظم من الملك وقيل القرآن ، ومن أمر ربي معناه من وحيه . { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } تستفيدونه بتوسط حواسكم ، فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية . إنما هو من الضروريات المستفادة من إحساس الجزئيات ، ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علماً . ولعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس ولا شيئا من أحواله المعروفة لذاته ، وهو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به ، فلذلك اقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى في جواب : وما رب العالمين بذكر بعض صفاته . روي : أنه عليه الصلاة والسلام لما قال لهم ذلك قالوا : أنحن مختصون بهذا الخطاب ؟ فقال : بل نحن وأنتم ، فقالوا : ما أعجب شأنك ساعة تقول { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } وساعة تقول هذا فنزلت { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } وما قالوه لسوء فهمهم لأن الحكمة الإنسانية أن يعلم من الخير والحق ما تسعه القوة البشرية بل ما ينتظم به معاشه ومعاده ، وهو بالإضافة إلى معلومات الله التي لا نهاية لها قليل ينال به خير الدارين وهو بالإضافة إليه كثيرا .
وقْعُ هذه الآية بين الآي التي معها يقتضي نظمُه أن مرجع ضمير { يسألونك } هو مرجع الضمائر المتقدمة ، فالسائلون عن الروح هم قريش . وقد روى الترمذي عن ابن عباس قال : قالت قريش ليهود أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل عنه ، فقالوا : سَلوه عن الروح ، قال : فسألوه عن الروح ، فأنزل الله تعالى : { ويسألونك عن الروح } الآية .
وظاهر هذا أنهم سألوه عن الروح خاصة وأن الآية نزلت بسبب سؤالهم . وحينئذٍ فلا إشكال في إفراد هذا السؤال في هذه الآية على هذه الرواية . وبذلك يكون موقع هذه الآية بين الآيات التي قبلها والتي بعدها مسبباً على نزولها بين نزول تلك الآيات .
واعلم أنه كان بين قريش وبين أهل يثرب صلات كثيرة من صهر وتجارة وصحبة . وكان لكل يثربي صاحب بمكة ينزل عنده إذا قدم الآخر بلده ، كما كان بين أمية بن خلف وسَعْد بن معاذ . وقصتهما مذكورة في حديث غزوة بدر من « صحيح البخاري » .
روى ابن إسحاق أن قريشاً بعثوا النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي مُعيط إلى أحبار اليهود بيثرب يسألانهم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال اليهود لهما : سلوه عن ثلاثة . وذكروا لهم أهل الكهف وذا القرنين وعن الروح كما سيأتي في سورة الكهف ، فسألتْه قريش عنها فأجاب عن أهل الكهف وعن ذي القرنين بما في سورة الكهف ، وأجاب عن الروح بما في هذه السورة .
وهذه الرواية تثير إشكالاً في وجه فصل جواب سؤال الروح عن المسألتين الأخريين بذكر جواب مسألة الروح في سورة الإسراء وهي متقدمة في النزول على سورة الكهف .
ويدفع الإشكال أنه يجوز أن يكون السؤال عن الروح وقع منفرداً أول مرة ثم جمع مع المسألتين الأخريين ثاني مرة .
ويجوز أن تكون آية سؤال الروح مما ألحق بسورة الإسراء كما سنبينه في سورة الكهف . والجمهور على أن الجميع نزل بمكة ، قال الطبري عن عطاء بن يسار : نزل قوله : { وما أوتيتم من العلم قليلاً } بمكة .
وأما ما روي في « صحيح البخاري » عن ابن مسعود أنه قال : « بينما أنا مع النبي في حرث بالمدينة إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح ، فسألوه عن الروح فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يردّ عليهم شيئاً ، فعلمتُ أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : { ويسألونك عن الروح } الآية . فالجمع بينه وبين حديث ابن عباس المتقدم : أن اليهود لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قد ظن النبي أنهم أقرب من قريش إلى فهم معنى الروح فانتظر أن ينزل عليه الوحي بما يجيبهم به أبين مما أجاب به قريشاً ، فكرر الله تعالى إنزال الآية التي نزلت بمكة أو أمره أن يتلوها عليهم ليعلم أنهم وقريشاً سواء في العجز عن إدراك هذه الحقيقة أو أن الجواب لا يتغير .
هذا ، والذي يترجح عندي : أن فيما ذكره أهلُ السير تخليطاً ، وأن قريشاً استقوا من اليهود شيئاً ومن النصارى شيئاً فقد كانت لقريش مخالطة مع نصارى الشام في رحلتهم الصيفية إلى الشام ، لأن قصة أهل الكهف لم تكن من أمور بني إسرائيل وإنما هي من شؤون النصارى ، بناءً على أن أهل الكهف كانوا نصارى كما سيأتي في سورة الكهف ، وكذلك قصة ذي القرنين إن كان المراد به الإسكندر المقدوني يظهر أنها مما عني به النصارى لارتباط فتوحاته بتاريخ بلاد الروم ، فتعين أن اليهود ما لَقنوا قريشاً إلا السؤال عن الروح . وبهذا يتضح السبب في إفراد السؤال عن الروح في هذه السورة وذكر القصتين الأخريين في سورة الكهف . على أنه يجوز أن يتكرر السؤال في مناسبات وذلك شأن الذين معارفهم محدودة فهم يلقونها في كل مجلس .
وسُؤالهم عن الروح معناه أنهم سألوا عن بيان ماهية ما يعبر عنه في اللغة العربية بالروح والتي يعرف كل أحد بوجه الإجمال أنها حالّة فيه .
والروح : يطلق على الموجود الخفي المنتشر في سائر الجسد الإنساني الذي دلت عليه آثاره من الإدراك والتفكير ، وهو الذي يتقوم في الجسد الإنساني حين يكون جنيناً بعد أن يمضي على نزول النطفة في الرحم مائة وعشرون يوماً . وهذا الإطلاق هو الذي في قوله تعالى : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } [ ص : 72 ] . وهذا يسمى أيضاً بالنفس كقوله : { يا أيتها النفس المطمئنة } [ الفجر : 27 ] .
ويطلق الروح على الكائن الشريف المكون بأمر إلهي بدون سبب اعتيادي ومنه قوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى : 52 ] وقوله : { وروح منه } [ النساء : 171 ] .
ويطلق لفظ ( الروح ) على المَلك الذي ينزل بالوحي على الرسل . وهو جبريل عليه السلام ومنه قوله : { نزل به الروح الأمين على قلبك } [ الشعراء : 193 ] .
واختلف المفسرون في الروح المسؤول عنه المذكور هنا ما هو من هذه الثلاثة . فالجمهور قالوا : المسؤول عنه هو الروح بالمعنى الأول ، قالوا لأنه الأمر المشكل الذي لم تتضح حقيقته ، وأما الروح بالمعنيين الآخرين فيشبه أن يكون السؤال عنه سؤالاً عن معنى مصطلح قرآني . وقد ثبت أن اليهود سألوا عن الروح بالمعنى الأول لأنه هو الوارد في أول كتابهم وهو سفر التكوين من التوراة لقوله في الإصحاح الأول وروح الله يرف على وجه المياه . وليس الروح بالمعنيين الآخرين بوارد في كتبهم .
وعن قتادة والحسن : أنهم سألوا عن جبريل ، والأصح القول الأول . وفي « الروض الأنف » أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم مرة ، فقال لهم : هو جبريل عليه السلام . وقد أوضحناه في سورة الكهف .
وإنما سألوا عن حقيقة الروح وبيان ماهيتها ، فإنها قد شغلت الفلاسفة وحكماء المتشرعين ، لظهور أن في الجسد الحي شيئاً زائداً على الجسم ، به يكون الإنسان مدركاً وبزواله يصير الجسم مسلوبَ الإرادة والإدراك ، فعلم بالضرورة أن في الجسم شيئاً زائداً على الأعضاء الظاهرة والباطنة غير مشاهد إذ قد ظهر بالتشريح أن جسم الميت لم يفقد شيئاً من الأعضاء الباطنة التي كانت له في حال الحياة .
وإذ قد كانت عقول الناس قاصرة عن فهم حقيقة الروح وكيفية اتصالها بالبدن وكيفية انتزاعها منه وفي مصيرها بعد ذلك الانتزاع ، أجيبوا بأن الروح من أمر الله ، أي أنه كائن عظيم من الكائنات المشرفة عند الله ولكنه مما استأثر الله بعلمه . فلفظ { أمر } يحتمل أن يكون مرادف الشيء . فالمعنى : الروح بعض الأشياء العظيمة التي هي لله ، فإضافة { أمر } إلى اسم الجلالة على معنى لام الاختصاص ، أي أمر اختص بالله اختصاص علممٍ .
و ( من ) للتبعيض ، فيكون هذا الإطلاق كقوله : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى : 52 ] . ويحتمل أن يكون الأمر أمرَ التكوين ، فإما أن يراد نفس المصدر وتكون ( من ) ابتدائية كما في قوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل : 40 ] ، أي الروح يصدر عن أمر الله بتكوينه ؛ أو يراد بالمصدر معنى المفعول مثل الخلق و ( من ) تبعيضية ، أي الروح بعض مأمورات الله فيكون المرادُ بالروح جبريلَ عليه السلام ، أي الروح من المخلوقات الذين يأمرهم الله بتبليغ الوحي ، وعلى كلا الوجهين لم تكن الآية جواباً عن سؤالهم .
وروى ابن العربي في الأحكام عن ابن وهب عن مالك أنه قال : لم يأته في ذلك جواب ا ه . أي أن قوله : { قل الروح من أمر ربي } ليس جواباً ببيان ما سألوا عنه ولكنه صرف عن استعلامه وإعلام لهم بأن هذا من العلم الذي لم يؤتوه . والاحتمالات كلها مرادة ، وهي كلمة جامعة . وفيها رمز إلى تعريف الروح تعريفاً بالجنس وهو رسم .
وجملة { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } يجوز أن تكون مما أمَر الله رسولَه أن يقوله للسائلين فيكون الخطاب لقريش أو لليهود الذين لقنوهم ، ويجوز أن يكون تذييلاً أو اعتراضاً فيكون الخطاب لكل من يصلح للخطاب ، والمخاطبون متفاوتون في القليل المستثنى من المؤْتَى من العلم . وأن يكون خطاباً للمسلمين .
والمراد بالعلم هنا المعلوم ، أي ما شأنه أن يعلم أو من معلومات الله . ووصفه بالقليل بالنسبة إلى ما من شأنه أن يعلم من الموجودات والحقائق .
وفي « جامع الترمذي » قالوا ( أي اليهود ) : « أوتينا علماً كثيراً التوراةَ ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً ، فأنزلت : { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي } الآية [ الكهف : 109 ] .
وأوضح من هذا ما رواه الطبري عن عطاء بن يسار قال : نزلت بمكة { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار يهود فقالوا : يا محمد ألم يبلغنا أنك تقول : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ، أفعنيتنا أم قومَك ؟ قال : كُلاّ قد عنيت .
قالوا : فإنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء . فقال رسول الله : هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم ما إن عملتم به انتفعتم . فأنزل الله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم } [ لقمان : 27 ] .
هذا ، والذين حاولوا تقريب شرح ماهية الروح من الفلاسفة والمتشرعين بواسطة القول الشارح لم يأتوا إلا برسوم ناقصة مأخوذة فيها الأجناس البعيدة والخواص التقريبية غير المنضبطة وتحكيم الآثار التي بعضها حقيقي وبعضها خيالي ، وكلها متفاوتة في القرب من شرح خاصاته وأماراته بحسب تفاوت تصوراتهم لماهيته المبنيات على تفاوت قوى مداركهم وكلها لا تعدو أن تكون رسوماً خيالية وشعرية معبرة عن آثار الروح في الإنسان .
وإذا قد جرى ذكر الروح في هذه الآية وصُرف السائلون عن مرادهم لغرض صحيح اقتضاه حالهم وحال زمانهم ومكانهم ، فما علينا أن نتعرض لمحاولة تعرف حقيقة الروح بوجه الإجمال فقد تهيأ لأهل العلم من وسائل المعرفة ما تغيرت به الحالة التي اقتضت صرف السائلين في هذه الآية بعض التغير ، وقد تتوفر تغيرات في المستقبل تزيد أهل العلم استعداداً لتجلي بعض ماهية الروح ، فلذلك لا نجاري الذين قالوا : إن حقيقة الروح يجب الإمساك عن بيانها لأن النبي أمسك عنها فلا ينبغي الخوض في شأن الروح بأكثر من كونها موجودة . فقد رأى جمهور العلماء من المتكلمين والفقهاء منهم أبو بكر بن العربي في « العواصم » ، والنووي في « شرح مسلم » : أن هذه الآية لا تصد العلماء عن البحث عن الروح لأنها نزلت لطائفة معينة من اليهود ولم يقصد بها المسلمون . فقال جمهور المتكلمين : إنها من الجواهر المجردة ، وهو غير بعيد عن قول بعضهم : هي من الأجسام اللطيفة والأرواح حادثة عند المتكلمين من المسلمين وهو قول أرسطاليس . وقال قدماء الفلاسفة : هي قديمة . وذلك قريب من مرادهم في القول بقدم العالم . ومعنى كونها حادثة أنها مخلوقة لله تعالى . فقيل : الأرواح مخلوقة قبل خلق الأبدان التي تنفخ فيها ، وهو الأصح الجاري على ظواهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهي موجودة من الأزل كوجود الملائكة والشياطين ، وقيل : تخلق عند إرادة إيجاد الحياة في البدن الذي توضع فيه واتفقوا على أن الأرواح باقية بعد فناء أجسادها وأنها تحضر يوم الحساب .