النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

قوله عز وجل : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } فيها خمسة أقاويل :أحدها : أنه جبريل عليه السلام ، قاله ابن عباس . كما قال تعالى :{ نزل به الروح الأمين }[ الشعراء : 193 ] . الثاني : ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه . الثالث : أنه القرآن ، قاله الحسن ، كما قال تعالى :{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا }[ الشورى : 52 ] فيكون معناه أن القرآن من أمر الله تعالى ووحيه الذي أنزل عليّ وليس هو مني . الرابع : أنه عيسى ابن مريم هو من أمر الله تعالى وليس كما ادعته النصارى أنه ابن الله ، ولا كما افترته اليهود أنه لغير رشدة . الخامس : أنه روح الحيوان ، وهي مشتقة من الريح . قال قتادة سأله عنها قوم من اليهود وقيل في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبيّ فقال الله تعالى : { قل الروح من أمر ربي } فلم يجبهم عنها فاحتمل ذلك ستة أوجه : أحدها : تحقيقاً لشيء إن كان في كتابهم . الثاني : أنهم قصدوا بذلك الإعنات كما قصدوا اقتراح الآيات . الثالث : لأنه قد يتوصل إلى معرفته بالعقل دون السمع . الرابع : لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سؤال ما لا يعني . الخامس : قاله بعض المتكلمين ، أنه لو أجابهم عنها ووصفها ؛ بأنها جسم رقيق تقوم معه الحياة ، لخرج من شكل كلام النبوة ، وحصل في شكل كلام الفلاسفة . فقال : { من أمر ربي } أي هو القادر عليه . السادس : أن المقصود من سؤالهم عن الروح أن يتبين لهم أنه محدث أو قديم ، فأجابهم بأنه محدث لأنه قال : { من أمر ربي } أي من فعله وخلقه ، كما قال تعالى : { إنما أمرنا لشيء } . فعلى هذا الوجه يكون جواباً لما سألوه ، ولا يكون على الوجوه المتقدمة جواباً .

{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فيه وجهان :أحدهما : إلا قليلاً من معلومات الله . الثاني : إلا قليلاً بحسب ما تدعو الحاجة إليه حالاً فحالاً . وفيمن أريد بقوله تعالى : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } قولان :أحدهما : أنهم اليهود خاصة ، قاله قتادة . الثاني : النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الخلق{[1813]} .


[1813]:سقط من ق.