الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : يهود يسألونه .

وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب ، فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . وقال بعضهم : لا تسألوه . فسألوه فقالوا : يا محمد ، ما الروح ؟ فما زال يتوكأ على العسيب ، وظننت أنه يوحى إليه فأنزل الله { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } .

وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه فنزلت { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } قالوا : أوتينا علماً كثيراً : أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً . فأنزل الله تعالى { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً } [ الكهف : 109 ] .

وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : «أخبرنا ، ما الروح ؟ وكيف تعذب الروح التي في الجسد ؟ وإنما الروح من الله ولم يكن نزل عليه فيه شيء فلم يجر إليهم شيئاً ، فأتاه جبريل عليه السلام فقال له : { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقالوا : من جاءك بهذا ؟ قال : جبريل . قالوا : والله ما قاله لك إلا عدوّ لنا . فأنزل الله تعالى { قل من كان عدوّا لجبريل . . . } [ البقرة : 97 ] الآية » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد ، وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف لسان . . . لكل لسان منها سبعون ألف لغة ، يسبح الله تعالى بتلك اللغات ، يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : هو ملك واحد له عشرة آلاف جناح ، جناحان منهما ما بين المشرق والمغرب له ألف وجه ، لكل وجه لسان وعينان وشفتان يسبحان الله تعالى إلى يوم القيامة .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الروح أمر من أمر الله ، وخلق من خلق الله وصورهم على صور بني آدم ، وما ينزل من السماء من ملك إلا ومعه واحد من الروح . ثم تلا { يوم يقوم الروح والملائكة صفاً } [ النبأ : 38 ] .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عكرمة رضي الله عنه قال : سئل ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } لا تنال هذه المنزلة ، فلا تزيدوا عليها . قولوا كما قال الله وعلّم نبيه صلى الله عليه وسلم { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه قال : لقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح .

وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن زياد ، أنه بلغه أن رجلين اختلفا في هذه الآية { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فقال أحدهما : إنما أريد بها أهل الكتاب وقال الآخر : بل إنه محمد صلى الله عليه وسلم . فانطلق أحدهما إلى ابن مسعود رضي الله عنه فسأله فقال : ألست تقرأ سورة البقرة ؟ فقال : بلى . فقال : وأي العلم ليس في سورة البقرة ؟ إنما أريد بها أهل الكتاب .

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : { الروح } ملك .

وأخرج ابن عساكر ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن أم الحكم الثقفي رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة ، إذ عرض له اليهود فقالوا : يا محمد ، ما الروح ؟ وبيده عسيب نخل فاعتمد عليه - ورفع رأسه إلى السماء - ثم قال : { ويسألونك عن الروح . . . . } إلى قوله : { قليلاً } قال ابن عساكر : عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أم الحكم الثقفي قيل إن له صحبة .

وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : { الروح } خلق مع الملائكة لا يراهم الملائكة ، كما لا ترون أنتم الملائكة . { الروح } حرف استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه . وهو قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } .

وأخرج أبو الشيخ عن سلمان رضي الله عنه قال : الإنس والجن عشرة أجزاء : فالإنس جزء ، والجن تسعة أجزاء . والملائكة والجن عشرة أجزاء : فالجن من ذلك جزء ، والملائكة تسعة . والملائكة والروح عشرة أجزاء : فالملائكة من ذلك جزء ، والروح تسعة أجزاء .

والروح والكروبيون عشرة أجزاء : فالروح من ذلك جزء ، والكروبيون تسعة أجزاء .

وأخرج ابن إسحق وابن جرير ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت بمكة { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } «فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، ألم يبلغنا أنك تقول : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } أفعنيتنا أم قومك ؟ قال : كلاًّ قد عنيت . قالوا : فإنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم الله ما عملتم به انتفعتم » فأنزل الله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام . . . } [ لقمان : 27 ] إلى قوله : { إن الله سميع بصير } [ لقمان : 28 ] .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { وما أوتيتم من العلم } قال : يا محمد ، والناس أجمعون .

وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } يعني اليهود .