تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

{ ويسألونك عن الروح } تفسير الكلبي : إن المشركين بعثوا رسلا إلى المدينة ، فقالوا لهم : سلوا اليهود عن محمد ، وصفوا لهم نعته وقوله ، ثم ائتونا فأخبرونا . فانطلقوا حتى قدموا المدينة ، فوجدوا بها علماء اليهود من كل أرض قد اجتمعوا فيها -لعيد لهم- فسألوهم عن محمد ، ونعتوا لهم نعته ، فقال لهم حبر من أحبار اليهود : إن هذا لنعت النبي الذي يتحدث أن الله باعثه في هذه الأرض . فقالت له رسل قريش : إنه فقير عائل يتيم لم يتبعه من قومه من أهل الرأي أحد ، ولا من ذوي الأسنان فضحك الحبر . وقال : كذلك نجده . قالت له رسل قريش : إنه يقول قولا عظيما ، يدعوا إلى الرحمن باليمامة الساحر الكذاب –يعنون : مسيلمة- فقالت لهم اليهود : اذهبوا فسلوا صاحبكم عن خلال ثلاث ، فإن الذي باليمامة قد عجز عنهن هما اثنان من الثلاث ، فإنه لا يعلمهما إلا نبي ، فإن أخبركم بهما فقد صدق ، وأما الثالثة فلا يجترئ عليها أحد ، فقالت لهم رسل قريش : أخبرونا بهن . فقالت لهم اليهود : سلوه عن أصحاب الكهف والرقيم ، -وقصوا عليهم قصتهم- وسلوه عن ذي القرنين- وحدثوهم بأمره- وسلوه عن الروح ، فإن أخبركم فيه بشيء ، فهو كاذب . فرجعت رسل قريش إليهم فأخبروهم بذلك ، فأرسلوا إلى نبي الله فلقيهم فقالوا : يا ابن عبد المطلب ، إنا سائلوك عن خلال ثلاث ، فإن أخبرتنا بهن فأنت صادق ، وإلا فلا تذكرن آلهتنا بشيء . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما هن ؟ قالوا : أخبرنا عن أصحاب الكهف ، فإنا قد أخبرنا عنهم بآية بينة ، وأخبرنا عن ذي القرنين ، فإنا قد أخبرنا عنه بأمر بين ، وأخبرنا عن الروح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظروني حتى أنظر ما يحدث إلي فيه ربي ؟ قالوا فإنا ناظروك فيه ثلاثا . فمكث رسول الله ثلاثة أيام لا يأتيه جبريل ، ثم أتاه جبريل ، فاستبشر به النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا جبريل ، قد رأيت ما سأل عنه قومي ثم لم تأتني ! قال له جبريل : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) {[626]} فإذا شاء ربك أرسلني إليك . ثم قال له جبريل : إن الله قال : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي }{[627]} ثم قال له : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم . . . } فذكر قصتهم ، وقال : { ويسألونك عن ذي القرنين . . . } فذكر قصته ، ثم لقي رسول الله قريشا في آخر اليوم الثالث ، فقالوا : ما أحدث إليك ربك في الذي سألناك عنه ؟ فقصه عليهم فعجبوا ، وغلب عليهم الشيطان أن يصدقوه .

قال قتادة : وقوله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } يعني به : اليهود ، أي : أنهم لم يحيطوا بعلمه .

قال يحيى : وبلغني عن بعض التابعين ، أنه قال : الروح خلق من خلق الله لهم أيد وأرجل .


[626]:سورة مريم الآية (64)
[627]:سورة الإسراء آية (85).