قوله تعالى : { أفحسب } أفظن { الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء } ، أرباباً ، يريد بالعباد : عيسى ، والملائكة ، كلا بل هم لهم أعداء ويتبرؤون منهم . قال ابن عباس : يعني الشياطين أطاعوهم من دون الله . وقال مقاتل : الأصنام سموا عباداً ، كما قال : { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } [ الأعراف – 194 ] وجواب هذا الاستفهام محذوف . قال ابن عباس : يريد أني لا أغضب لنفسي ، يقول : أفظن الذين كفروا أن يتخذوا غيري أولياء وإني لا أغضب لنفسي ولا أعاقبهم . وقيل : أفظنوا أنهم ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء . { إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلاً } ، أي : منزلاً ، قال ابن عباس : هي مثواهم . وقيل : النزل ما يهيأ للضيف ، يريد : هي معدة لهم عندنا كالنزل للضيف .
ويعقب على هذا التقابل بالتهكم اللاذع والسخرية المريرة :
( أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي دوني أولياء . إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا . . )
أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا مخلوقات الله المستعبدة له أنصارا لهم من دونه ، ينصرونهم منه ويدفعون عنهم سلطانه ? إذن فليلقوا عاقبة هذا الحسبان : إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا . . ويا له من نزل مهيأ للاستقبال ، لا يحتاج إلى جهد ولا انتظار . فهو حاضر ينتظر النزلاء الكفار !
ثم قال { أَفَحَسِبَ{[18553]} الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ } أي : اعتقدوا أنهم يصح لهم ذلك ، وينتفعون بذلك ؟ { كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } [ مريم : 82 ] ؛ ولهذا أخبر أنه قد أعدّ لهم جهنم يوم القيامة منزلا .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَحَسِبَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن يَتّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيَ أَوْلِيَآءَ إِنّآ أَعْتَدْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } .
يقول عزّ ذكره : أفظن الذين كفروا بالله من عبدة الملائكة والمسيح ، أن يتخذوا عبادي الذين عبدوهم من دون الله أولياء ، يقول كلا بل هم لهم أعداء . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : أفَحَسِبَ الّذينَ كَفَرُوا أنْ يَتّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أوْلِياءَ قال : يعني من يعبد المسيح ابن مريم والملائكة ، وهم عباد الله ، ولم يكونوا للكفار أولياء . وبهذه القراءة ، أعني بكسر السين من أفَحَسبَ بمعنى الظنّ قرأت هذا الحرف قرّاء الأمصار . ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وعكرِمة ومجاهد أنهم قرءوا ذلك أفَحَسْبُ الّذيِنَ كَفَرُوا بتسكين السين ، ورفع الحرف بعدها ، بمعنى : أفحسبهم ذلك : أي أفكفاهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء من عباداتي وموالاتي . كما :
حُدثت عن إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة أفَحَسْبُ الّذينَ كَفَرُوا قال : أفحسبهم ذلك .
والقراءة التي نقرؤها هي القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أفَحَسِبَ الّذِينَ بكسر السين ، بمعنى أفظنّ ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها .
وقوله : إنّا أعْتَدْنا جَهَنّمَ للْكافِرِينَ نُزُلاً يقول : أعددنا لمن كفر بالله جهنم منزلاً .
وقرأ علي بن أبي طالب والحسن وابن عمر ومجاهد وابن كثير بخلاف عنه : «أفحسْبُ » بسكون السين وضم الباء بمعنى أكافيهم ومنتهى غرضهم ، وفي مصحف ابن مسعود «أفظن الذين كفروا » ، وهذه حجة لقراءة الجمهور ، وقال جمهور المفسرين يريد كل من عبد من دون الله كالملائكة وعزير وعيسى ، فيدخل في { الذين كفروا } بعض العرب واليهود والنصارى ، والمعنى أن ذلك ليس كظنهم ، بل ليس من ولاية هؤلاء المذكورين شيء ، ولا يجدون عندهم منتفعاً و { أعتدنا } معناه : يسرنا ، و «النزل » موضع النزول ، و «النزل » أيضاً ما يقدم للضيف أو القادم من الطعام عند نزوله ، ويحتمل أن يراد بالآية هذا المعنى أن المعد لهم بدل النزول جهنم ، كما قال الشاعر : [ الوافر ]
تحية بينهم ضرب وجيع{[7905]} . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.