قوله تعالى : { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } ، وكان اسمهما أصرم وصريم ، { وكان تحته كنز لهما } ، اختلفوا في ذلك الكنز ، اختلفوا في ذلك الكنز : روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كان ذهباً وفضه . وقال عكرمة : كان مالاً . وعن سعيد بن جبير : كان الكنز صحفاً فيها علم . وعن ابن عباس : أنه قال كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه : عجباً لمن أيقن الموت كيف يفرح ؟ عجباً لمن أيقن بالحساب كيف يغفل : عجباً لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ؟ عجباً لمن أيقن بالقدر كيف يغضب ؟ عجباً لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ! لا إله إلا الله محمد رسول الله . وفي الجانب الآخر مكتوب : أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، خلقت الخير والشر ، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه وهذا قول أكثر المفسرين . وروي أيضاً ذلك مرفوعاً . قال الزجاج : الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال ، ويجوز عند التقييد أن يقال عنده كنز علم ، وهذا اللوح كان جامعاً لهما . { وكان أبوهما صالحاً } ، قيل : كان اسمه كاشح وكان من الأتقياء . قال ابن عباس : حفظا بصلاح أبويهما . وقيل : كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء . قال محمد بن المنكدر : إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده ، وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله ، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم . قال سعيد بن المسيب : إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي . قوله عز وجل : { فأراد ربك أن يبلغا أشدهما } أي : يبلغا ويعقلا . وقيل : أن يدركا شدتهما وقوتهما . وقيل : ثمان عشرة سنة . { ويستخرجا } حينئذ { كنزهما رحمة } نعمة { من ربك } . { وما فعلته عن أمري } أي باختياري ورأيي ، بل فعلته بأمر الله وإلهامه ، { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } أي لم تطق عليه صبراً ، واستطاع واسطاع بمعنى واحد . روي أن موسى لما أراد أن يفارقه قال له : أوصني ، قال : لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه لتعمل به . واختلفوا في أن الخضر حي أم ميت ؟ قيل : إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم . وكان سبب حياته فيما يحكى أنه شرب من عين الحياة ، وذلك أن ذا القرنين دخل الظلمات لطلب عين الحياة . وكان الخضر على مقدمته ، فوقع الخضر على العين فنزل واغتسل وتوضأ وشرب وصلى شكراً لله عز وجل ، وأخطأ ذو القرنين الطريق فعاد . وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء ليلة : أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم حي على ظهر الأرض أحد ولو كان الخضر حياً لكان لا يعيش بعده .
( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ، وكان تحته كنز لهما ، وكان أبوهما صالحا ، فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما ، رحمة من ربك وما فعلته عن أمري . . ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) . .
فهذا الجدار الذي أتعب الرجل نفسه في إقامته ، ولم يطلب عليه أجرا من أهل القرية - وهما جائعان وأهل القرية لا يضيفونهما - كان يخبى ء تحته كنزا ، ويغيب وراءه مالا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة . ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه . . ولما كان أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما ، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما ، ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته .
ثم ينفض الرجل يده من الأمر . فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف . وهو أمر الله لا أمره . فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما قبلها ، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه ( رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ) . .
فالآن ينكشف الستر عن حكمة ذلك التصرف ، كما انكشف عن غيب الله الذي لا يطلع عليه أحدا إلا من ارتضى .
وفي دهشة السر المكشوف والستر المرفوع يختفي الرجل من السياق كما بدا . لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول . فالقصة تمثل الحكمة الكبرى . وهذه الحكمة لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار . ثم تبقى مغيبة في علم الله وراء الأستار .
وهكذا ترتبط - في سياق السورة - قصة موسى والعبد الصالح ، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله ، الذي يدبر الأمر بحكمته ، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر ، الواقفون وراء الأستار ، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار . . .
انتهى الجزء الخامس عشر ويليه الجزء السادس عشر
مبدواً بقوله تعالى : ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر . . . )
في هذه الآية دليل على إطلاق القرية على المدينة ؛ لأنه قال أولا { حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ } [ الكهف : 77 ] وقال هاهنا : { فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ } كما قال تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ } [ محمد : 13 ] ، { وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] يعني : مكة والطائف .
ومعنى الآية : أن هذا الجدار{[18369]} إنما أصلحه{[18370]} لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما .
قال عكرمة ، وقتادة ، وغير واحد : كان تحته مال مدفون لهما . وهذا ظاهر السياق من الآية ، وهو اختيار ابن جرير ، رحمه الله .
وقال العوفي عن ابن عباس : كان تحته كنز علم . وكذا قال سعيد بن جبير ، وقال مجاهد : صحف فيها علم ، وقد ورد في حديث مرفوع ما يقوي ذلك ، قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده المشهور : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا بشر بن المنذر ، حدثنا الحارث بن عبد الله الْيَحْصَبيّ عن عياش{[18371]} بن عباس القتباني{[18372]} عن ابن حُجَيرة{[18373]} ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، [ رفعه ]{[18374]} قال : " إن الكنز الذي ذكر{[18375]} الله في كتابه : لوح من ذهب مصمت مكتوب فيه : عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب{[18376]} ؟ وعجبت لمن ذكر النار لم ضَحِك{[18377]} ؟ وعجبت لمن ذكر الموت لم غفل ؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " {[18378]} .
بشر بن المنذر هذا يقال له : قاضي المصيصة . قال الحافظ أبو جعفر العقيلي : في حديثه وهم{[18379]} .
وقد روي في هذا آثار عن السلف ، فقال ابن جرير في تفسيره : حدثني يعقوب ، حدثنا الحسن بن حبيب بن ندبة{[18380]} حدثنا سلمة{[18381]} ، عن نعيم العنبري - وكان من جلساء الحسن - قال : سمعت الحسن - يعني البصري - يقول في قوله : { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا } قال : لوح من ذهب مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ؟ وعجبت لمن يوقن{[18382]} بالموت كيف يفرح ؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .
وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش{[18383]} عن عُمَر{[18384]} مولى غُفْرَة{[18385]} قال : إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف : { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا } قال : كان لوحًا من ذهب مُصْمَت مكتوبا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبٌ لمن عرف النار{[18386]} ثم ضحك ! عجبٌ{[18387]} لمن أيقن بالقدر ثم نصب ! عجب لمن أيقن بالموت ثم أمن ! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
وحدثني أحمد بن حازم الغفاري ، حدثنا هَنَّادَة بنت مالك الشيبانية قالت : سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول في قول الله تعالى{[18388]} { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا } قال : سطران ونصف لم يتم الثالث : عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب وعجبت للموقن{[18389]} بالحساب كيف يغفل ؟ وعجبت للموقن{[18390]} بالموت كيف يفرح ؟ وقد قال تعالى : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] قالت : وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاح ، وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء ، وكان نساجًا .
وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ، وورد به الحديث المتقدم وإن صح ، لا ينافي قول عكرمة : أنه كان مالا لأنهم ذكروا أنه كان لوحًا من ذهب ، وفيه مال جزيل ، أكثر ما زادوا أنه كان مودعًا فيه علم{[18391]} ، وهو حكم ومواعظ ، والله أعلم .
وقوله : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته ، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة ، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم ، كما جاء في القرآن ووردت السنة به{[18392]} . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر لهما صلاح ، وتقدم أنه كان الأب السابع . [ فالله أعلم ]{[18393]}
وقوله : { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا } : هاهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى ؛ لأن بلوغهما الحلم{[18394]} لا يقدر عليه إلا الله ؛ وقال في الغلام : { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ } وقال في السفينة : { فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا } ، فالله أعلم .
وقوله : { رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } أي : هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة ، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة ، ووالدي الغلام ، وولدي الرجل الصالح ، { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } لكني أمرت به ووقفت عليه ، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر ، عليه السلام ، مع ما تقدم من{[18395]} قوله : { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } .
وقال آخرون : كان رسولا . وقيل بل كان ملكًا . نقله الماوردي في تفسيره .
وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبيًا . بل كان وليًا . فالله أعلم .
وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بَلْيَا بن مَلْكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، عليه السلام{[18396]}
قالوا : وكان يكنى أبا العباس ، ويلقب بالخضر ، وكان من أبناء الملوك ، ذكره النووي في تهذيب الأسماء ، وحكى هو وغيره في كونه باقيًا إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولين ، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه ، وذكروا في ذلك حكايات وآثارًا عن السلف وغيرهم وجاء ذكره في بعض الأحاديث . ولا يصح شيء من ذلك ، وأشهرها أحاديث{[18397]} التعزية وإسناده ضعيف .
ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك ، واحتجوا بقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ } [ الأنبياء : 34 ] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " {[18398]} ، وبأنه لم ينقل أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ولا حضر عنده ، ولا قاتل معه . ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ]{[18399]} وأصحابه ؛ لأنه عليه السلام{[18400]} كان مبعوثًا إلى جميع الثقلين : الجنّ والإنس ، وقد قال : " لو كان موسى وعيسى حَيَّيْن ما{[18401]} وسعهما إلا اتباعي " {[18402]} وأخبر قبل موته بقليل : أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تَطْرفُ ، إلى غير ذلك من الدلائل .
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا ابن المبارك ، عن مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ في الخَضر قال ]{[18403]} إنما سمي " خضرًا " ؛ لأنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تحته [ تهتز ]{[18404]} خضراء " {[18405]} .
ورواه أيضًا عن عبد الرزاق . وقد ثبت أيضًا في صحيح البخاري ، عن همام ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما سمي الخضِر ؛ لأنه جلس على فَرْوَة ، فإذا هي تهتز [ من خلفه ]{[18406]} خضراء " {[18407]}
والمراد بالفروة هاهنا{[18408]} الحشيش اليابس ، وهو الهشيم من النبات ، قاله عبد الرزاق . وقيل : المراد بذلك وجه الأرض .
وقوله : { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } أي : هذا تفسير ما ضقت به ذرعًا ، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء ، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال : { [ مَا لَمْ ] تَسْطِعْ }{[18409]} وقبل ذلك كان الإشكال قويًا ثقيلا فقال : { سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } فقابل الأثقل بالأثقل ، والأخف بالأخف ، كما قال تعالى : { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ } وهو الصعود إلى أعلاه ، { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } [ الكهف : 97 ] ، وهو أشق من ذلك ، فقابل كلا بما يناسبه لفظًا ومعنى والله أعلم .
فإن قيل : فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك ؟
فالجواب : أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر وذكر ما كان بينهما ، وفتى موسى معه تبع ، وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون ، وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى ، عليهما السلام . وهذا يدل على ضعف ما أورده ابن جرير في تفسيره حيث قال : حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة{[18410]} ، حدثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : قيل لابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث وقد كان معه ؟ فقال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال : شرب الفتى من الماء [ فخلد ، فأخذه ]{[18411]} العالم ، فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر ، فإنها تموج به إلى يوم القيامة ؛ وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب{[18412]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَمّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مّن رّبّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عّلَيْهِ صَبْراً } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قول صاحب موسى : وأما الحائط الذي أقمته ، فإنه كان لغلامين يتيمين في المدينة ، وكان تحته كنزلهما .
اختلف أهل التأويل في ذكل الكنز ، فقال بعضهم : كان صُحُفا فيها علِم مدفونة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : كان تحته كنْزُ علم .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير : وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : كان كنز علم .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : علم .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : علم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : صحف لغلامين فيها علم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : صحف علم .
حدثني أحمد بن حازم الغفاريّ ، قال : حدثنا هنادة ابنة مالك الشيبانية ، قالت : سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول في قول الله عزّ وجلّ : وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : سطران ونصف ، لم يتمّ الثالث : «عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب ، وعجبت للموقن بالحساب كيف يغفل ، وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح » وقد قال : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أتيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ قالت : وذكر أنهما حُفِظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاح ، وكان بينهما وبين الأب الذي حُفظا به سبعة آباء ، كان نساجا .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا الحسن بن ندبة ، قال : حدثنا سلمة بن محمد ، عن نعيم العنبريّ ، وكان من جُلساء الحسن ، قال : سمعت الحسن يقول في قوله : وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : لوح من ذهب مكتوب فيه : «بسم الله الرحمَن الرحيم : عجبت لمن يؤمن كيف يحزن وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها ، كيف يطمئنّ إليها لا إله إلا الله ، محمد رسول الله » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه كان يقول : ما كان الكنز إلا علْما .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن حميد ، عن مجاهد ، في قوله وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : صُحُف من علم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وعب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، عن عمر مولى غُفْرة ، قال : إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : كان لوحا من ذهب مصمت ، مكتوبا فيه : بسم الله الرحمَن الرحيم . عَجَبٌ ممن عرف الموت ثم ضحك ، عَجَبٌ ممن أيقن بالقدر ثم نَصِب ، عَجَبٌ ممن أيقن بالموت ثم أمن ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .
وقال آخرون : بل كان مالاً مكنوزا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشام ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : كنز مال .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن عكرمة ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، قال : أخبرني أبو حُصَين ، عن عكرمة ، مثله ، قال شعبة : ولم نسمعه منه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال : مال لهما ، قال قتادة : أُحِلّ الكنز لمن كان قبلنا ، وحُرّم علينا ، فإن الله يُحلّ من أمره ما يشاء ، ويحرّم ، وهي السنن والفرائض ، ويحلّ لأمة ، ويحرّم على أخرى ، لكنّ الله لا يقبل من أحد مضى إلا الإخلاص والتوحيد له .
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب : القول الذي قاله عِكْرمة ، لأن المعروف من كلام العرب أن الكنز اسم لما يكنز من من مال ، وأن كلّ ما كنز فقد وقع عليه اسم كنز ، فإن التأويل مصروف إلى الأغلب من استعمال المخاطبين بالتنزيل ، ما لم يأت دليل يجب من أجله صرفه إلى غير ذلك ، لعلل قد بيّناها في غير موضع .
وقوله : وكان أبُوهُما صَالِحا فأرَادَ رَبّكَ أنْ يَبْلُغا أشُدّهُما يقول : فأراد ربك أن يدركا ويبلغا قوتهما وشدّتهما ، ويستخرجا حينئذ كنزهما المكنوز تحت الجدار الذي أقمته ، رحمة من ربك بهما ، يقول : فعلت فعل هذا بالجدار ، رحمة من ربك لليتيمين . وكان ابن عباس يقول في ذلك ما :
حدثني موسى بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال ابن عباس ، في قوله وَكانَ أبُوهُما صالِحا قال : حُفِظا بصلاح أبيهما ، وما ذكر منهما صلاح .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا سفيان ، عن مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
وقوله : وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي يقول : وما فعلت يا موسى جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي ، ومن تلقاء نفسي ، وإنما فعلته عن أمر الله إياي به ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي : كان عبدا مأمورا ، فمضى لأمر الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي ما رأيت أجمع ما فعلته عن نفسي .
وقوله : ذَلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا يقول : هذا الذي ذكرت لك من الأسباب التي من أجلها فعلت الأفعال التي استنكرتها مني ، تأويل . يقول : ما تؤول إليه وترجع الأفعال التي لم تسطع على ترك مسألتك إياي عنها ، وإنكارك لها صبرا .
وهذه القصص التي أخبر الله عزّ وجلّ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بها عن موسى وصاحبه ، تأديب منه له ، وتقدمٌ إليه بترك الاستعجال بعقوبة المشركين الذين كذّبوه واستهزؤوا به وبكتابه ، وإعلام منه له أن أفعاله بهم وإن جرت فيما ترى الأعين بما قد يجري مثله أحيانا لأوليائه ، فإن تأويله صائر بهم إلى أحوال أعدائه فيها ، كما كانت أفعال صاحب موسى واقعة بخلاف الصحة في الظاهر عند موسى ، إذ لم يكن عالما بعواقبها ، وهي ماضية على الصحة في الحقيقة وآئلة إلى الصواب في العاقبة ، ينبىء عن صحة ذلك قوله : وَرَبّكَ الْغَفُورُ ذُو الرّحْمَةِ لَوْ يُوءَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجّلَ لَهُمْ العَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا . ثم عقب ذلك بقصة موسى وصاحبه ، يعلم نبيه أن تركه جلّ جلاله تعجيل العذاب لهؤلاء المشركين ، بغير نظر منه لهم ، وإن ذلك فيما يَحْسِب من لا علم له بما الله مدبر فيهم ، نظرا منه لهم ، لأن تأويل ذلك صائر إلى هلاكهم وبوارهم بالسيف في الدنيا واستحقاقهم من الله في الاَخرة الخَزْيَ الدائم .
{ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } قيل اسمهما أصرم وصريم ، واسم المقتول جيسور . { وكان تحته كنز لهما } من ذهب وفضة ، روي ذلك مرفوعا والذم على كنزهما في قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة } لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق . وقيل من كتب العلم . وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه : عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب ، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله . { وكان أبوهما صالحا } تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه . قيل كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء وكان سياحا واسمه كاشح . { فأراد ربك أن يبلُغا أشدّهما } أي الحلم وكمال الرأي . { ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } مرحومين من ربك ، ويجوز أن يكون علة أو مصدرا لأراد فإن إرادة الخير رحمة . وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك ، ولعل إسناد الإرادة أولا إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب وثانيا إلى الله وإلى نفسه لأن التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله بدله ، وثالثا إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين . أو لأن الأول في نفسه شر ، والثالث خير ، والثاني ممتزج . أو لاختلاف حال العارف في الإلتفات إلى الوسائط . { وما فعلتُه } وما فعلت ما رأيته . { عن أمري } عن رأي وإنما فعلته بأمر الله عز وجل ، ومبنى ذلك على أنه إذا تعارض ضرران يجب تحمل أهونهما لدفع أعظمهما ، وهو أصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة . { ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا } أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفا .
ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى إنكار ما لم يستحسنه ، فلعل فيه سرا لا يعرفه ، وأن يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم ، ويراعي الأدب في المقابل وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه .
أما قضية الجدار فالخضر تصرف في شأنها عن إرادة الله اللطف باليتيمين جزاء لأبيهما على صلاحه ، إذ علم الله أن أباهما كان يَهمّه أمر عيشهما بعده ، وكان قد أودع تحت الجدار مالاً ، ولعله سأل الله أن يلهم ولديه عند بلوغ أشدهما أن يبحثا عن مدفن الكنز تحت الجدار بقصد أو بمصادفة ، فلو سقط الجدار قبل بلوغهما لتناولت الأيدي مكانه بالحفر ونحوه فعثر عليه عاثر ، فذلك أيضاً لطف خارق للعادة . وقد أسند الإرادة في قصة الجدار إلى الله تعالى دون القصتين السابقتين لأن العمل فيهما كان من شأنه أن يسعى إليه كل من يقف على سرّه لأن فيهما دفع فساد عن الناس بخلاف قصة الجدار فتلك كرامة من الله لأبي الغلامين .
وقوله : { رحمةً من ربّك وما فعلتُهُ عن أمري } تصريح بما يزيل إنكار موسى عليه تصرفاته هذه بأنها رحمة ومصلحة فلا إنكار فيها بعد معرفة تأويلها .
ثم زاد بأنه فعلها عن وحي من الله لأنه لما قال { وما فعلته عن أمري } علم موسى أنّ ذلك بأمر من الله تعالى لأنّ النبي إنما يتصرف عن اجتهاد أو عن وَحي ، فلما نفى أن يكون فعله ذلك عن أمر نفسه تعيّن أنه عن أمر الله تعالى . وإنما أوثر نفي كون فعله عن أمر نفسه على أن يقول : وفعلته عن أمر ربّي ، تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره ، لأنه لما أنكر عليه فعلاته الثلاث كان يؤيد إنكاره بما يقتضي أنه تصرفٌ عن خطأ .
وانتصب { رحْمَةً } على المفعول لأجله فينازعه كل من ( أردتُ ) ، و ( أردنَا ) ، و ( أراد ربّك ) .
وجملة { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } فَذْلَكَةٌ للجمل التي قبلها ابتداء من قوله { أمَّا السَّفِينةُ فَكَانَتْ لمساكين } ، فالإشارة بذلك إلى المذكور في الكلام السابق وهو تلخيص للمقصود كحوصلة المدرس في آخر درسه .
و { تَسْطِعْ } مضارع ( اسطاع ) بمعنى ( استطاع ) . حذف تاء الاستفعال تخفيفاً لقربها من مخرج الطاء ، والمخالفةُ بينه وبين قوله { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } للتفنن تجنباً لإعادة لفظ بعينه مع وجود مرادفه . وابتدىء بأشهرهما استعمالاً وجيء بالثانية بالفعل المخفف لأنّ التخفيف أولى به لأنه إذا كرر { تَسْتَطِع } يحصل من تكريره ثقل .
وأكد الموصول الأول الواقع في قوله { سأُنَبِئُكَ بتأويل ما لم تستَطِعْ عليهِ صَبْراً } تأكيداً للتعريض باللوم على عدم الصبر .
واعلم أن قصة موسى والخضر قد اتخذتها طوائف من أهل النحل الإسلامية أصلاً بنوا عليه قواعد موهومة .
فأول ما أسسوه منها أنّ الخضر لم يكن نبيئاً وإنما كان عبداً صالحاً ، وأن العِلم الذي أوتيه ليس وحياً ولكنه إلهام ، وأن تصرفه الذي تصرفه في الموجودات أصل لإثبات العلوم الباطنية ، وأن الخضر منحهُ الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعاً لتلقي العلوم الباطنية ، وأنه يظهر لأهل المراتب العليا من الأولياء فيفيدهم من علمه ما هم أهل لتلقّيه .
وبَنوا على ذلك أن الإلهام ضرب من ضروب الوحي ، وسموه الوحي الإلهامي ، وأنه يجيء على لسان ملك الإلهام ، وقد فصله الشيخ محيي الدين ابن العربي في الباب الخامس والثمانين من كتابه « الفتوحات المكية » ، وبيّن الفرق بينه وبين وحي الأنبياء بفروق وعلامات ذكرها منثورةً في الأبواب الثالث والسبعين ، والثامن والستين بعد المائتين ، والرابع والستين بعد ثلاثمائة ، وجزم بأن هذا الوحي الإلهامي لا يكون مخالفاً للشريعة ، وأطال في ذلك ، ولا يخلو ما قاله من غموض ورموز ، وقد انتصب علماء الكلام وأصول الفقه لإبطال أن يكون ما يسمى بالإلهام حجّة . v وعرفوه بأنه إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر ، وأبطلوا كونه حجّة لعدم الثقة بخواطر من ليس معصوماً ولتفاوت مراتب الكشف عندهم . وقد تعرض لها النسفي في « عقائده » ، وكل ما قاله النسفي في ذلك حق ، ولا يقام التشريع على أصول موهومة لا تنضبط .
والأظهر أن الخضر نبيء عليه السلام وأنه كان موحىً إليه بما أوحي ، لقوله { وما فعلته عن أمري } ، وأنه قد انقضى خبره بعد تلك الأحوال التي قصّت في هذه السورة ، وأنه قد لحقه الموت الذي يلحق البشر في أقصى غاية من الأجل يمكن أن تفرض ، وأن يحمل ما يعْزى إليه من بعض الصوفية الموسومين بالصدق أنه محوك على نسج الرمز المعتاد لديهم ، أو على غشاوة الخيال التي قد تخيم عليهم .