الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (82)

واختلف النَّاسُ في هذا الكنز المذكور هنا ، فقال ابن عباس : كان عِلْماً في صُحُف مدفونةٍ ، وقال عمر مولى غَفْرَة : كان لَوْحاً من ذَهَبٍ قد كُتِبَ فيه : ( عجباً للموقِنِ بالرِّزْقِ كيف يَتْعَبُ ، وعجباً للموقِنِ بالحسابِ كيف يَغْفَلُ ، وعجباً للموقِنِ بالمَوْتِ كيف يَفُرَحُ ) ، وروي نحو هذا مما هو في معناه ، وقال الداوديُّ : { كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ذَهَبٌ وفِضَّة » انتهى . فإِن صحَّ هذا الحديثُ ، فلا نظر لأحَدٍ معه ، فاللَّه أعلم أيَّ ذلك كَانَ .

وقوله سبحانه : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا } [ الكهف : 82 ] .

ظاهر اللفظِ ، والسابقُ منه إِلى الذهنِ أنه والدهما دِنْيَةً ، وقيل : هو الأب السابعُ ، وقيل : العاشر ، فَحُفِظَا فيه ، وفي الحديثِ : ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُ الرَّجُلَ الصَّالِحَ في ذُريتِهِ ) ، وقوله الخضر : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } ، يقتضي أنه نَبِيٌّ ، وقد اختلف فيه ، فقيل : هو نبيٌّ ، وقيل : عَبْدٌ صالح ، وليس بنبيٍّ وكذلك اختلف في موته وحياته ، واللَّه أعلم بجميع ذلك ، ومما يقضي بموت الخَضِر .

قوُلُه صلى الله عليه وسلم : ( أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ إِلى رَأْسِ مِائَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ على ظَهْرِ الأَرضِ أحد ) .

قال القرطبيُّ في «تذكرته » : وذكر عن عمرو بن دِينَارٍ : الخَضِرُ وإِلياسُ عليهما السلام حَيَّانِ ، فإِذا رفع القرآن ماتا قال القرطبيُّ : وهذا هو الصحيحُ انتهى ، وحكاياتُ مَنْ رأَى الخَضِرَ من الأولياء لا تحصَى كثرةٍ فلا نطيلُ بَسْردها ، وانظر «لطائِفَ المِنَن » لابن عطاء اللَّه .

وقوله : { ذلك تَأْوِيلُ } : أي مآل ، وحكى السُّهَيْليُّ أنه لما حان للخَضِر وموسى أن يفترقا ، قال له الخَضر : لو صَبَرْتَ ، لأَتَيْتَ عَلَى أَلْفِ عَجَبٍ ، كلُّها أعجبُ ممَّا رأَيْتَ ، فبكى موسى ، وقالَ للخَضِر : أوْصِنِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فقال : يا مُوسَى ، اجْعَلْ همَّك في معادِكَ ، ولا تَخُضْ فيما لا يَعْنِيك ، ولا تأمَنْ مِنَ الخوفِ في أمْنِكَ ، ولا تَيْأس من الأمن في خوفك ، وتدَّبر الأمورَ في علانيتِكَ ، ولا تَذَر الإحسانَ في قُدْرتك ، فقال له موسى : زِدْنِي يرحمك اللَّه ، فقال له الخَضِر : يا مَوسَى ، إِياكَ واللَّجَاجَةُ ، ولا تَمْش في غير حَاجَةٍ ، ولا تَضْحَكْ من غَيْر عَجَبٍ ، ولا تعير أحداً ، وابكِ على خطيئتك يَا بْنَ عِمران . انتهى .