تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (82)

75

المفردات :

عن أمري : عن رأيي واجتهادي .

ما لم تستطع : أي : تستطع ماضيه : اسطاع ، الذي أصله : استطاع .

82- { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربّك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا } .

كان الخضر قد أقام الجدار وعدله وثبته في مكانه ، وقصته : أن الجدار كان ملكا لغلامين يتيمين ، قد مات أبوهما ولو سقط الجدار ؛ لاستولى الأوصياء على الكنز الذي تحته ، وكان تحت الجدار كنز من ذهب وفضة ، فأراد الله سبحانه وتعالى ، أن يبلغ اليتيمان أشدهما ، أي : سن القوة والفتوة والرشد ؛ فيستوليان على هذا الحائط ، ويستخرجان الكنز من تحته ، وهذا كله بتوجيه الله ، وإرادته ورحمته بعبادة ولم يفعله الخضر برغبته ؛ بل بأمر الله سبحانه وتعالى له . وفي هذا ما يدل المسلم على أن يحني رأسه لكل ما يجيء به القدر ؛ فقد يأتي الله تعالى بالنعمة ، وقد يأتي بالمحنة ، ونحن أمرنا أن نشكر على النعماء ، وأن نصبر على البأساء ، وأن نرضى بأسباب القضاء .

إن هذه المصالحة مع القدر ، وحلاوة الرضا والتوافق ، تمنح المؤمن زادا من قوة اليقين ، وهدوء الباطن ، وحلاوة التسليم ، لكل ما يأتي به الله على حد قول القائل :

سلّم الأمر تجدنا *** نحن أولى بك منك

وفي الحديث الصحيح : أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره ، حلوه ومره )52 .

وفي الحديث الشريف : ( ما من عبد يبتلى بمصيبة فيقول : اللهم ، اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيرا منها ؛ إلا عوضه الله خيرا مما فقده )53 .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ولد المؤمن ؛ قال الله تعالى : يا ملائكتي ؛ أقبضتم روح ولد عبدي ؟ ! فيقولون : نعم يا ربنا ، فيقول الله تعالى : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون : يا ربنا ، حمد واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة ، وسمو : بيت الحمد )54 .

ومعنى : حمد واسترجع ، أي قال : الحمد لله ، إنا لله وإنا إليه راجعون .

وروى البخاري في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا تعب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها ؛ إلا كفر الله بها من خطاياه ، ويزال البلاء يصيب المؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )55 .

وفي الحديث الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أشدكم بلاء الأنبياء ، ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلي الرجل على حسب دينه ، ولا يزال البلاء يصيب المؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )56 .

وهذه المعنى تلتقي مع قصة موسى والخضر ، وترمز إلى الرغبة الإلهية العليا في تسليم المؤمن ، ورضاه بالقضاء والقدر ، والتمتع بحلاوة الرضا ، واليقين بالثواب والجزاء الكريم للصابرين .

قال تعالى : { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } . ( البقرة : 157 ، 155 ) .

وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله عز وجل : إذا ابتليت عبدي في حُبيبتيه ( يعني : عينيه ) فصبر واحتسب ؛ لم أجد له جزاء دون الجنة )57 .

ويقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين . ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } . ( البقرة : 154 ، 153 ) .

/خ82