بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (82)

{ وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لغلامين يَتِيمَيْنِ فِى المدينة } أحدهما أصرم والآخر صريم ، { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } ؛ قال الكلبي : أي مال لهما ، وقال مقاتل ومجاهد : كل شيء في القرآن من كنز فهو مال غير هنا ، فإنه الصحف التي فيها علم ؛ وقال الضحاك : كنز لهما أي علم لهما قال الفقيه : حدّثني أبي بإسناده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجد تحت الجدار الذي قال الله تعالى { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } لوح من ذهب ؛ والذهب لا يصدأ ولا ينقص مكتوب فيه بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، عجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يوقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها . لا إله إلا الله محمد رسول الله . روي عن ابن عباس أنه قال : كان في اللوح خمس كلمات وذكر نحوه .

قوله : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا } ذا أمانة واسمه كاشح ، فحفظا بصلاح أبيها ولم يذكر منهما صلاحاً . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنّ الله تَعَالَى لَيُصْلِحُ بِصَلاَحِ الرَّجُلِ أهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَأَهْلَ دُوَيْرَتِهِ وَأَهْلَ الدُّوَيْرَاتِ حوله » . { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا } ، أي يبلغا مبلغ الرجال ، { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } ؛ أي نعمة من ربك . { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى } أي من قبل نفسي ولكن الله أمرني به . { ذَلِكَ تَأْوِيلُ } ، أي تفسير { مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } . تستطع وتسطع بمعنى واحد ، يقال : اسطاع واستطاع .

قال الفقيه رضي الله عنه : حدّثنا الخليل بن أحمد قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد الدوري قال : حدّثنا الحجاج الأعور قال : حدّثنا حمزة الزيات ، عن أبي إسحق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه وقال : « رَحْمَةُ الله عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى فَلَوْ كَانَ صَبَرَ لَقَصَّ الله عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا » . وفي رواية أخرى : « لَقَصَّ الله عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا العَجَائِبَ » فلما أراد موسى أن يرجع ، قال للخضر : أوصني . فقال له الخضر : إياك واللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تضحك من غير عجب ، ولا تعير الخطائين بخطاياهم ، وابكِ على خطيئتك يا ابن عمران . قال مجاهد : إنما سمي الخضر خضراً ، لأنه لا يكون بأرض إلا اخضرت .