وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : كان كنز لمن قبلنا وحرم علينا ، وحرمت الغنيمة على ما كان قبلنا وأحلت لنا ، فلا تعجبن للرجل يقول : ما شأن الكنز أحل لمن قبلنا وحرم علينا ؟ فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء ، وهي السنن والفرائض . . . تحل لأمة وتحرم على أخرى .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم ، عن خيثمة قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : طوبى لذرية مؤمن ، ثم طوبى لهم كيف يحفظون من بعده . وتلا خيثمة { وكان أبوهما صالحاً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب قال : إن الله يصلح بالعبد الصالح القبيل من الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق شيبة ، عن سليمان بن سليم بن سلمة قال : مكتوب في التوراة «إن الله ليحفظ القرن إلى القرن إلى سبعة قرون ، وإن الله يهلك القرن إلى القرن إلى سبعة قرون » .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال : إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل : «إني إذا أطعت رضيت ، وإذا رضيت باركت وليس لبركتي ناهية ، وإذا عصيت غضبت ولعنتي تبلغ السابع من الولد » .
وأخرج أحمد عن وهب قال : يقول الله : «اتقوا غضبي فإن غضبي يدرك إلى ثلاثة آباء ، وأحبوا رضاي فإن رضاي يدرك في الأمة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وما فعلته عن أمري } قال : كان عبداً مأموراً مضى لأمر الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : قال موسى لفتاه يوشع بن نون { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } فاصطادا حوتاً فاتخذاه زاداً وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها ، فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ، ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه : { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } يعني جهداً في السير .
قال الفتى لموسى : { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } .
قال : فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب ، أن موسى دعا ربه فسأله ومعه ماء عذب في سقاء ، فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجراً أبيض أجوف ، فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف : هل يرى ذلك الرجل ؟ حتى كاد يسيء الظن ، ثم رآه فقال : السلام عليك يا خضر . قال : عليك السلام يا موسى . قال : من حدثك إني أنا موسى . . . ! ؟ قال : حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر . قال : إني أريد أن أصحبك { على أن تعلمني مما علمت رشداً } وأنه تقدم إليه فنصحه فقال : { إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا ، فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } إن عجلت عليّ في ثلاث فذلك حين أفارقك .
فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة ، فناداهم خضر : يا أصحاب السفينة ، هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم ، وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم : إنا نرى رجالاً في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصاً فلا تحملهم . فقال صاحب السفينة : إني أرى رجالاً على وجوههم النور ، لأحملنهم . فقال الخضر : بكم حملت هؤلاء ؟ كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف . فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية : إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس بها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيباً لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء ، وإن موسى امتلأ غضباً { قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً } وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر ، فقال : أردت هلاكهم فتعلّم أنك أول هالك : فجعل موسى كلما ازداد غضباً استقر البحر ، وكلما سكن كان البحر كالدهر ، وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام : ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك ؟ وإن الخضر أقبل عليه { قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً } وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال : { لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } فلما انتهوا إلى القرية قال خضر : ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق ، وأن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال : إنما أردت الذي هو خير لك ، فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت .
ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب ، عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله { قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس } إلى قوله : { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } وإن خضراً أقبل عليه فقال : قد وفيت لك بما جعلت على نفسي { هذا فراق بيني وبينك } { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } فكان لا يغضب أحداً إلا دعا عليه وعلى أبويه ، فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيراً منه وأبرّ بوالديه { وأقرب رحماً } .
{ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما } فسمعنا أن ذلك الكنز كان علماً فورثا ذلك العلم .
وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال : قيل لابن عباس : لم نسمع - يعني موسى - يذكر من حديث فتاه وقد كان معه . فقال ابن عباس : فيما يذكر من حديث الفتى قال : شرب الفتى من الماء فخلد فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر ، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة . وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه . قال ابن كثير الحسن متروك وأبوه غير معروف .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن يوسف بن أسباط قال : بلغني أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه : يا موسى ، تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتحدث به . وبلغني أن موسى قال للخضر : ادع لي . فقال الخضر : يسر الله عليك طاعته .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال : قال الخضر لموسى حين لقيه : يا موسى ، انزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ، ولا تضحك من غير عجب ، والزم بيتك وابك على خطيئتك .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر ، عن أبي عبد الله - أظنه الملطي - قال : أراد موسى أن يفارق الخضر ، فقال له موسى : أوصني . قال : كن نفّاعاً ولا تكن ضراراً ، كن بشاشاً ولا تكن غضباناً ، ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ، ولا تُعَيِّرُ امرأً بخطيئته وابك على خطيئتك يا ابن عمران .
وأخرج ابن عساكر عن وهب ، أن الخضر قال لموسى : يا موسى ، إن الناس يعذبون في الدنيا على قدر همومهم .
وأخرج العقيلي عن كعب قال : الخضر على منبر بين البحر الأعلى والبحر الأسفل ، وقد أمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية .
وأخرج ابن شاهين عن خصيف قال : أربعة من الأنبياء أحياء : اثنان في السماء عيسى وإدريس . واثنان في الأرض ، الخضر وإلياس . فأما الخضر ، فإنه في البحر . وأما صاحبه فإنه في البر .
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال : بينا أنا أطوف ، إذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا مَنْ لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك ، قلت : يا عبد الله ، أعد الكلام .
قال : وسمعته ؟ قلت : نعم . قال : والذي نفس الخضر بيده : - وكان هو الخضر - لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة ، إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج وعدد المطر وورق الشجر .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية ، عن كعب الأحبار قال : إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ الهند - وهو بحر الصين - فقال لأصحابه : يا أصحابي ، أدلوني . فدلوه في البحر أياماً وليالي ثم صعد ، فقالوا له : يا خضر ، ما رأيت ؟ فلقد أكرمك الله وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر . فقال : استقبلني ملك من الملائكة فقال لي : أيها الآدمي الخطاء إلى أين ؟ ومن أين ؟ فقلت : إني أردت أن أنظر عمق هذا البحر . فقال لي : كيف وقد أهوى رجل من زمان داود عليه السلام لم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة ، وذلك منذ ثلثمائة سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن بقية قال : حدثني أبو سعيد قال : سمعت أن آخر كلمة أوصى بها الخضر موسى حين فارقه : إياك أن تعير مسيئاً بإساءته فتبتلى .
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أسامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : «ألا أحدثكم عن الخضر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل ، أبصره رجل مكاتب فقال : تصدق عليّ بارك الله فيك . فقال الخضر : آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ، ما عندي شيء أعطيكه . فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدقت علي ، فإني نظرت السماحة في وجهك ووجدت البركة عندك . فقال الخضر : آمنت بالله ، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني . فقال المسكين : وهل يستقيم هذا ؟ ! قال : نعم . الحق أقول ، لقد سألتني بأمر عظيم : أما أني لا أخيبك بوجه ربي تعالى . فقدّمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم ، فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء . فقال له : إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي ، فأوصني أعمل بعمل . قال : أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف . قال : ليس يشق عليّ قال : فقم فانقل هذه الحجارة . وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم ، فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة ، فقال : أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه ، ثم عرض للرجل سفرة فقال : إني احتسبتك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة . قال : فأوصني بعمل . قال : إني أكره أن أشق عليك . قال : ليس يشق عليّ قال : فاضرب من اللبن لنبني حتى أقدم عليك ، فمر الرجل لسفره فرجع وقد شيد بناؤه ، فقال : أسألك بوجه الله ، ما سبيلك وما أمرك ؟ فقال : سألتني بوجه الله ووجه الله أوقعني في العبودية ، أنا الخضر الذي سمعت به . . . سألني مسكين صدقة ولم يكن عندي شيء أعطيه ، فسألني بوجه الله فأمكنته من نفسي فباعني . فأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر ، وقف يوم القيامة جلدة ولا لحم له ولا عظم ليتقصع . فقال الرجل : آمنت بالله ! . . . شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم . فقال : لا بأس ، أحسنت وأتقنت . فقال الرجل : بأبي أنت وأمي يا نبي الله ، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله ، أو أخيّرك فأخلي سبيلك . فقال : أحب أن تخلي سبيلي أعبد ربي . فخلّى سبيله فقال الخضر : الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحجاج بن فرافصة ، أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد الله بن عمر ، فكان أحدهما يكثر الحلف ، فبينما هو كذلك إذ مرّ عليهما رجل فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف : مه يا عبد الله ، اتق الله ولا تكثر الحلف فإنه لا يزيد في رزقك ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف . قال : امض لما يعنيك . قال : ذا مما يعنيني - قالها ثلاث مرات وردّ عليه قوله - فلما أراد أن ينصرف قال : اعلم أن من آية الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ، ولا يكن في قولك فضل على فضلك . ثم انصرف فقال عبد الله بن عمر : الحقه فاستكتبه هذه الكلمات . فقال : يا عبد الله ، اكتبني هذه الكلمات يرحمك الله . فقال الرجل : ما يقدر الله من أمر يكن فأعادهن عليه حتى حفظهن ثم شهده حتى وضع إحدى رجليه في المسجد ، فما أدري أرض لفظته أو سماء اقتلعته ، قال : كأنهم يرونه الخضر أو إلياس عليه السلام .
وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسندٍ واهٍ ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الخضر في البحر واليسع في البر ، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي رواد قال : إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ، ويحجان في كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل .
وأخرج العقيلي والدارقطني في الأفراد وابن عساكر ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلا بالله » .
قال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات ، أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والسلطان والحية والعقرب .