تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (82)

الآية 82 : وقوله تعالى : { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما } اختلف في ذلك الكنز .

قال بعضهم : كان ذلك مالا كنزه أبوهما . وقال{[11786]} ابن عباس : حُفظ بصلاح أبيهما وما ذُكر منهما صلاحا . وقال بعضهم : كان ذلك الكنز صحفا{[11787]} فيها علم .

قال أبو بكر الأصم : لا يحتمل أن يكون علما لأن العلم مما يعلمه العلماء ، ويشترك الناس فيه ، فلا يحتمل أن يحفظ ذلك دون الناس . فإن ثبت ، وحفظ ما روي في الخبر فهو مال وعلم .

وروي عن ابن مالك ( أنه ){[11788]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان تحت الجدار الذي قال الله تعالى في كتابه : { وكان تحته كنز لهما } لوح من ذهب فيه مكتوب : ( بسم الله الرحمن الرحيم . عجبت لمن أيقن بالموت كيف/321-أ/ يفرح ؟ وعَجِبْتُ لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ؟ وعَجبتُ لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )( السيوطي في الدر المنثور5/421 ) فإن حُفظ هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففيه مال وعلم ، لأن اللوح من الذهب مما يكثر ، ويعظم قدره ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } أي نعمة من ربك وإحسانا عليهما ؛ إذ كان له ألا يحفظ ذلك لهما ، ولا يوصله إليهما على ما لم يعط لكثير من اليتامى والمساكين شيئا من ذلك . لكن ذلك منه إليها فضل وإنعام ورحمة عليهما . والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما فعلته عن أمري } أي تأويل ما قلت لك في بدء الأمر{ إنك لن تستطيع معي صبرا } ( الكهف : 72 )

ثم لا يحتمل أن يكون موسى حين{[11789]} أمر بالذهاب إلى ذلك الرجل والإتباع له والصحبة معه ليتعلم منه العلم ، فلم يستفد منه إلا علم ما أنكر عليه وسبب حل ذلك له ؛ إذ كان ذلك بإنكار ما أنكر عليه من الأفعال التي هي في الظاهر منكرة . لكن جائز أن يكون استفاد منه علوما كثيرة سوى ذلك ، لكنه لم يذكر لنا ذلك ، والله أعلم .

وقول أهل التأويل : اسم الغلام الذي قتله صاحب موسى خشنونا{[11790]} ، ولا أدري ماذا ؟ ووالداه اسمهما كذا ، لا نعلم ذلك . وليس لنا إل معرفة أساميهم حاجة ، وكذا اسم الغلامين اليتيمين صاحبي الجدار : أَصْرَمُ وصَريم ، ولا أدري ماذا ؟ ولا حاجة بنا إلى ذلك .

وقولهم : كان صاحب موسى خُضْراً ، وإنه لما سمي خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء ، فاخضرت ، فذلك أيضا مما لا يعلم إلا بالخبر عن الوحي وحي السماء ، فلا تقول فيه إلا ما ذكره الكتاب ( وما قيل ){[11791]} فإنه يُخَرَّجُ ذكره مُخرج الشهادة على الله من غير حصول النفع لنا في ( عمل ذلك ) أو غيره . وليس في الكتاب إلا ذكر عبد{ من عبادنا }( الكهف : 65 ) وذكر الغلام{[11792]} وذكر الفتى وذكر غلامين { يتيمين في المدينة } ( الكهف : 82 ) وأمثاله ؛ يقال ما فيه ، ولا يزاد على ذلك مخافة الشهادة على الله بالكذب ، والله أعلم .


[11786]:الواو ساقطة من الأصل و.م.
[11787]:في الأصل و.م: مصحفا.
[11788]:في الأصل و.م: حيث.
[11789]:في الأصل و.م: حيث.
[11790]:انظر الوجه الثالث من باب غلام في كتابنا (وجوه القرآن)للضرير الحيري.
[11791]:ساقطة من الأصل و.م.
[11792]:من م، في الأصل: الغلامين.