فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (82)

{ وَأَمَّا الجدار } يعني : الذي أصلحه { فَكَانَ لغلامين يَتِيمَيْنِ فِي المدينة } هي القرية المذكورة سابقاً ، وفيه جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لهُمَا } قيل : كان مالاً جسيماً كما يفيده اسم الكنز ، إذ هو المال المجموع . قال الزجاج : المعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد فمعناه : المال المدفون ، فإذا لم يكن مالاً قيل : كنز علم وكنز فهم ؛ وقيل : لوح من ذهب ، وقيل : صحف مكتوبة { وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا } فكان صلاحه مقتضياً لرعاية ولديه وحفظ مالهما ، قيل : هو الذي دفنه ؛ وقيل : هو الأب السابع من عند الدافن له ، وقيل : العاشر { فَأَرَادَ رَبُّكَ } أي : مالكك ومدبر أمرك ، وأضاف الرب إلى ضمير موسى تشريفاً له { أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا } أي : كمالهما وتمام نموّهما { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا } من ذلك الموضع الذي عليه الجدار ، ولو انقضّ لخرج الكنز من تحته { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } لهما ، وهو مصدر في موضع الحال أي : مرحومين من الله سبحانه { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } أي : عن اجتهادي ورأيي ، وهو تأكيد لما قبله ، فقد علم بقوله فأراد ربك أنه لم يفعله الخضر عن أمر نفسه { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع علَيْهِ صَبْراً } أي : ذلك المذكور من تلك البينات التي بينتها لك وأوضحت وجوهها تأويل ما ضاق صبرك عنه ولم تطق السكوت عليه ، ومعنى التأويل هنا : هو المآل الذي آلت إليه تلك الأمور ، وهو اتضاح ما كان مشتبهاً على موسى وظهور وجهه ، وحذف التاء من { تسطع } تخفيفاً .

/خ82