جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا} (82)

{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ } أي : في تلك المدينة { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } أي : ما وعن كثير من السلف{[3011]} أنه لوح من ذهب مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟ ! عجبا لمن آمن بالقدر كيف ينصب ؟ ! عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ؟ ! عجبا لمن أيقن بالحسنات كيف يعقل ؟ !عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن ؟ ! لا إله إلا الله محمد رسول الله* وفي بعض الروايات : عجبا لمن عرف النار كيف يضحك ؟ ! وقيل : مكتوب في الجانب الآخر أنا الله لا إله إلا أنا و حدي لا شريك لي خلقت الخير والشر ، فطوبى لمن خلقته للخير فأجريته على يديه ، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه ، وعن بعض السلف أنه كنز علم . قيل : لا منافاة بين الأقوال ؛ لأن اللوح الذهبي هو مال ، وما كتب في كنز علم { وكان أَبُوهُمَا{[3012]} صَالِحًا } كان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء وكان نساجا ، ويعلم منه أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا } : حلمهما وكمال رأيهما { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا } ولو سقط الجدار لتلف الكنز { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } نصب على المفعول له ، { وَمَا فَعَلْتُهُ } أي : ما رأيت { عَنْ أَمْرِي } : رأيي واختياري ، بل فعلته بأمر الله { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تستطع{[3013]} } أي : تستطع حذف التاء تخفيفا { عَّلَيْهِ صَبْرًا{[3014]} } .


[3011]:كابن عباس والحسن البصري وجعفر بن محمد وغيرهم لكن الروايات مختلفة في أن المكتوب هذا الذي نقلناه بتمامه أو بعضه بزيادة ونقصان /12منه.
[3012]:والظاهر أن أباهما الذي ولدهما، لكن صرح جعفر بن محمد وغيره أن بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء /12 وجيز.
[3013]:ذكر في هنا تسطع بحذف التاء لأن الثاني كالفذلكة والتأكيد للأول فالتخفيف يناسبه، ولما فرغ عن قصة من طاف في الأرض لتحصيل العلم أعقبه بقصة من طاف في الأرض للجهاد، وهي من الأسئلة التي سألها قريش بتعليم اليهود امتحانا لنبوته وتبكيتا له فقال: "ويسألونك عن ذي القرنين" الآية /12 وجيز.
[3014]:وقد اختلف أهل العلم في حياة الخضر قال ابن الصلاح : هو حي عند جماهير العلماء والصلحاء والعامة منهم، وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث: أنه مات قبل انقضاء مائة سنة من الهجرة، ونصره أبو بكر بن العربي بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر حياته: "لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم" وله ألفاظ عند الشيخين وغيرهما عن جابر وابن عمر، وأجاب من أثبت حياته بأنه كان حينئذ على وجه البحر وما أبرد هذا الجواب وأبعده عن الصواب. وأما اجتماعه مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعزيته لأهل البيت وهم مجتمعون لغسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال لهم على: هو الخضر، فقد ذكره ابن عبد البر في التمهيد وقيل: اجتمع إلياس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإذا جاز ذلك جاز بقاء الخضر، رواه ابن أبي الدنيا عن أنس وتعقبه الحافظ أبو الخطاب ابن دحية، وقال: لم يصح من طرقه شيء ولا يثبت اجتماعه مع أحد من الأنبياء إلا مع موسى كما قصه الله من خبره وجميع ما ورد في حياته لا يصح منه شيء باتفاق أهل النقل، وأما ما جاء من المشايخ فهو ما يتعجب منه كيف يجوز العاقل أن يلقى شيخا لا يعرفه فيقول له أنا فلان فيصدقه، وحديث التعزية المتقدم موضوع وفيه ابن محرز متروك وقال مسلم صاحب الصحيح: فلما رأيته كانت بعرة أحب إلى منه، وما روى عن أنس فموضوع أيضا، وقد نقل تكذيبه عن أحمد ويحيى وإسحاق أبي زرعة وسياق المتن ظاهر النكارة وأنه من المجازفات. انتهى كلامه ملخصا /12 فتح.