معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

قوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } ، الآية . سبب نزول هذه الآية أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا لما نزل تحريم الخمر : يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر { ويأكلون } من مال الميسر ؟ ؟ فأنزل الله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } ، وشربوا من الخمر وأكلوا من مال الميسر .

قوله تعالى : { إذا ما اتقوا } الشرك .

قوله تعالى : { وآمنوا } ، وصدقوا .

قوله تعالى : { وعملوا الصالحات ثم اتقوا } ، الخمر والميسر بعد تحريمهما .

قوله تعالى : { وآمنوا ثم اتقوا } ، ما حرم الله عليهم أكله .

قوله تعالى : { وأحسنوا والله يحب المحسنين } ، وقيل : معنى الأول إذا ما اتقوا الشرك ، وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا ، أي : داوموا على ذلك التقوى ، وآمنوا ازدادوا إيماناً ، ثم اتقوا المعاصي كلها وأحسنوا ، وقيل : أي : اتقوا بالإحسان ، وكل محسن متق ، { والله يحب المحسنين } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

وقد حدث أنه لما نزلت هذه الآيات ، وذكر فيها تحريم الخمر ، ووصفت بأنها رجس من عمل الشيطان أن انطلقت في المجتمع المسلم صيحتان متحدتان في الصيغة ، مختلفتان في الباعث والهدف .

قال بعض المتحرجين من الصحابة : كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر . . أو قالوا : فما بال قوم قتلوا في أحد وهي في بطونهم [ أي قبل تحريمها ] .

وقال بعض المشككين الذين يهدفون إلى البلبلة والحيرة . . هذا القول أو ما يشبهه ؛ يريدون أن ينشروا في النفوس قلة الثقة في أسباب التشريع ، أو الشعور بضياع إيمان من ماتوا والخمر لم تحرم ؛ وهي رجس من عمل الشيطان ، ماتوا والرجس في بطونهم !

عنذئذ نزلت هذه الآية :

( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات . ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، والله يحب المحسنين ) . .

نزلت لتقرر أولا أن ما لم يحرم لا يحرم ؛ وأن التحريم يبدأ من النص لا قبله ؛ وأنه لا يحرم بأثر رجعي ؛ فلا عقوبة إلا بنص ؛ سواء في الدنيا أو في الآخرة ؛ لأن النص هو الذي ينشى ء الحكم . . والذين ماتوا والخمر في بطونهم ، وهي لم تحرم بعد ، ليس عليهم جناح ؛ فإنهم لم يتناولوا محرما ؛ ولم يرتكبوا معصية . . لقدكانوا يخافون الله ويعملون الصالحات ويراقبون الله ويعلمون أنه مطلع على نواياهم وأعمالهم . . ومن كانت هذه حاله لا يتناول محرما ولا يرتكب معصية .

ولا نريد أن ندخل بهذه المناسبة في الجدل الذي أثاره المعتزلة حول الحكم بأن الخمر رجس : هل هو ناشى ء عن أمر الشارع - سبحانه - بتحريمها ، أم إنه ناشى ء عن صفة ملازمة للخمر في ذاتها . وهل المحرمات محرمات لصفة ملازمة لها ، أم إن هذه الصفة تلزمها من التحريم . . فهو جدل عقيم في نظرنا وغريب على الحس الإسلامي ! . . والله حين يحرم شيئا يعلم - سبحانه - لم حرمه . سواء ذكر سبب التحريم أو لم يذكر . وسواء كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم ، أو لعلة تتعلق بمن يتناوله من ناحية ذاته ، أو من ناحية مصلحة الجماعة . . فالله سبحانه هو الذي يعلم الأمر كله ؛ والطاعة لأمره واجبة ، والجدل بعد ذلك لا يمثل حاجة واقعية . والواقعية هي طابع هذا المنهج الرباني . . ولا يقولن أحد : إذا كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم فكيف أبيح إذن قبل تحريمه ! ! فلا بد أن لله - سبحانه - حكمة في تركه فترة بلا تحريم . ومرد الأمر كله إلى الله . وهذا مقتضى ألوهيته - سبحانه - واستحسان الإنسان أو استقباحه ليس هو الحكم في الأمر ؛ وما يراه علة قد لا يكون هو العلة . والأدب مع الله يقتضي تلقي أحكامه بالقبول والتنفيذ ، سواء عرفت حكمتها أو علتها أم ظلت خافية . . والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

إن العمل بشريعة الله يجب أن يقوم ابتداء على العبودية . . على الطاعة لله إظهارا للعبودية له سبحانه . . فهذا هو الإسلام - بمعنى الاستسلام . . وبعد الطاعة يجوز للعقل البشري أن يتلمس حكمة الله - بقدر ما يستطيع - فيما أمر الله به أو نهى عنه - سواء بين الله حكمته أم لم يبينها ، وسواء أدركها العقل البشري أم لم يدركها - فالحكم في استحسان شريعة الله في أمر من الأمور ليس هو الإنسان ! إنما الحكم هو الله . فإذا أمر الله أو نهى فقد انتهى الجدل ولزم الأمر أو النهي . . فأما إذا ترك الحكم للعقل البشري فمعنى ذلك أن الناس هم المرجع الأخير في شرع الله . . فأين مكان الألوهية إذن وأين مكان العبودية ؟

ونخلص من هذا إلى تركيب الآية ودلالة هذا التركيب :

( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ، إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات . ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ) . .

ولم أجد في أقوال المفسرين ما تستريح إلية النفس في صياغة العبارة القرآنية على النحو وتكرار التقوى مرة مع الإيمان والعمل الصالح ، ومرة مع الإيمان ، ومرة مع الإحسان . . كذلك لم أجد في تفسيري لهذا التكرار في الطبعة الأولى من هذه الظلال ما يستريح إليه نفسي الأن . . وأحسن ما قرأت - وإن كان لا يبلغ من حسي مبلغ الارتياح - هو قاله ابن جرير الطبري : " الاتقاء الاول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل . والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل " . .

وكان الذي ذكرته في الطبعة الأولى في هذا الموضع هو : " إنه توكيد عن طريق التفصيل بعد الإجمال . فقد أجمل التقوى والإيمان والعمل الصالح في الأولى . ثم جعل التقوى مرة مع الإيمان في الثانية ، ومرة مع الإحسان - وهو العمل الصالح - في الثالثة . . ذلك التوكيد مقصود هنا للاتكاء على هذا المعنى . ولابراز ذلك القانون الثابت في تقدير الأعمال بما يصاحبها من شعور باطني . فالتقوى . . تلك الحساسية المرهفة برقابة الله ، والاتصال به في كل لحظة . والإيمان بالله والتصديق بأوامره ونواهيه ، والعمل الصالح الذي هو الترجمة الظاهرة للعقيدة المستكنة . والترابط بين العقيدة الباطنة والعمل المعبر عنها . . هذه هي مناط الحكم ، لا الظواهر والأشكال . . وهذه القاعدة تحتاج إلى التوكيد والتكرار والبيان " .

وأنا ، اللحظة لا أجد في هذا القول ما يريح أيضا . . ولكنه لم يفتح علي بشيء آخر . . والله المستعان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

القول في تأويل قوله تعالى : { لَيْسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوَاْ إِذَا مَا اتّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ ثُمّ اتّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمّ اتّقَواْ وّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } . .

يقول تعالى ذكره للقوم الذين قالوا إذ أنزل الله تحريم الخمر بقوله : إنّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِر والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ : كيف بمن هلك من إخواننا وهمُ يشربونها وبنا وقد كنا نشربها : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ منكم حرج فيما شربوا من ذلك في الحال التي لم يكن الله تعالى حرّمه عليهم ، إذَا ما اتّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يقول : إذا ما اتقى الله الأحياء منهم ، فخافوه وراقبوه في اجتنابهم ما حرّم عليهم منه وصدّقوا الله ورسوله فيما أمراهم ونهاهم ، فأطاعوهما في ذلك كله . وعَمِلُوا الصّالِحَاتِ يقول : واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه الله في ذلك مما كلفهم بذلك ربهم . ثُمّ اتّقَوْا وآمَنُوا يقول : ثم خافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارمه بعد ذلك التكليف أيضا ، فثبتوا على اتقاء الله في ذلك والإيمان به ، ولم يغيروا ولم يبدّلوا . ثُمّ اتّقَوْا وأحْسَنُوا يقول : ثم خافوا الله ، فدعاهم خوفهم الله إلى الإحسان . وذلك الإحسان هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال ، ولكنه نوافل تقرّبوا بها إلى ربهم طلب رضاه وهربا من عقابه . وَاللّهُ يُحِبّ المُحْسِنِينَ يقول : والله يحبّ المتقرّبين إليه بنوافل الأعمال التي يرضاها . فالاتقاء الأوّل : هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني : الاتقاء بالثبات على التصديق وترك التبديل والتغيير والاتقاء الثالث : هو الاتقاء بالإحسان والتقرب بنوافل الأعمال .

فإن قال قائل : ما الدليل على أن الاتقاء الثالث هو الاتقاء بالنوافل دون أن يكون ذلك بالفرائض ؟ قيل : إنه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر التي شربوها قبل تحريمه إياها إذا هم اتقوا الله في شربها بعد تحريمها ، وصدّقوا الله ورسوله في تحريمها ، وعملوا الصالحات من الفرائض . ولا وجه لتكرير ذلك ، وقد مضى ذكره في آية واحدة .

وبنحو الذي قلنا من أن هذه الاية نزلت فيما ذكرنا أنها نزلت فيه ، جاءت الأخبار عن الصحابة والتابعين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد بن السري وأبو كريب ، قالا : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : يا رسول الله ، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ . . . الاية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل بإسناده ، نحوه .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثني عبد الكبير بن عبد المجيد ، قال : أخبرنا عباد بن راشد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : بينا أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي دجانة ، حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر ، فسمعنا مناديا ينادي : ألا إن الخمر قد حرّمت ، قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب وكسرنا القلال . وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا ، فأصبنا من طيب أمّ سليم ، ثم خرجنا إلى المسجد ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ . . . إلى قوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ . فقال رجل : يا رسول الله ، فما منزلة من مات منا وهو يشربها ؟ فأنزل الله تعالى : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا . . . الاية . فقال رجل لقتادة : سمعته من أنس بن مالك ؟ قال : نعم ، وقال رجل لأنس بن مالك : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، وحدثني من لم يكذب ، والله ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : لما حرّمت الخمر قالوا : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا . . . الاية .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : قال البراء : مات ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر ، فلما نزل تحريمها ، قال أناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها ؟ فنزلت هذه الاية : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ . . . الاية .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : نزلت : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا فيمن قُتل ببدر وأُحد مع محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا عليّ بن مسهر ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قِيلَ لي أنْتَ مِنْهُمْ » .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا جامع بن حماد ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا . . . إلى قوله : وَاللّهُ يُحِبّ المُحْسِنِينَ ، لما أنزل الله تعالى ذكره تحريم الخمر في سورة المائدة بعد سورة الأحزاب ، قال في ذلك رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصيب فلان يوم بدر وفلان يوم أُحد وهم يشربونها ، فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة ، فأنزل الله تعالى ذكره : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا إذَا ما اتّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمّ اتّقَوْا وآمَنُوا ثُمّ اتّقَوْا وأحْسَنُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُحْسِنِينَ ، يقول : شربها القوم على تقوى من الله وإحسان وهي لهم يومئذٍ حلال ، ثم حرّمت بعدهم ، فلا جناح عليهم في ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا قالوا : يا رسول الله ، ما نقول لإخواننا الذين مضوا ، كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر ؟ فأنزل الله : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا يعني قبل التحريم إذا كانوا محسنين متقين . وقال مرّة أخرى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا من الحرام قبل أن يحرّم عليهم إذا ما اتقوا وأحسنوا بعد ما حرّم وهو قوله : فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فانْتَهَى فَلَهُ ما سَلَفَ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا يعني بذلك رجالاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرّم الخمر ، فلم يكن عليهم فيها جناح قبل أن تحرّم ، فلما حرّمت قالوا : كيف تكون علينا حراما وقد مات إخواننا وهم يشربونها ؟ فأنزل الله تعالى لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُواإذا ما اتّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يقول : ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرّمها إذا كانوا محسنين متقين ، والله يحب المحسنين .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا لمن كان يشرب الخمر ممن قتل مع محمد صلى الله عليه وسلم ببدر وأُحد .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُنَاحٌ . . . الاية : هذا في شأن الخمر حين حُرّمت ، سألوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها ؟ فأنزل الله هذه الاية .