التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

{ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } فيها تأويلان : أحدهما : أنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة : كيف بمن مات منا وهو يشربها ، فنزلت الآية معلمة أنه لا جناح على من شربها قبل التحريم ، لأنه لم يعص الله بشربها حينئذ ، والآخر : أن المعنى رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموا من المطاعم إذا اجتنبوا الحرام منها ، وعلى هذا أخذها عمر رضي الله عنه حين قال لقدامة : " إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم عليك " ، وكان قدامة قد شربها واحتج بهذه الآية على رفع الجناح عنه ، فقال عمر : أخطأت التأويل .

{ إذا ما اتقوا وآمنوا } الآية : قيل : كرر التقوى مبالغة ، وقيل : الرتبة الأولى : اتقاء الشرك ، والثانية : اتقاء المعاصي ، والثالثة : اتقاء ما لا بأس به حذرا مما به البأس ، وقيل : الأولى : للزمان الماضي والثانية : للحال ، والثالثة : للمستقبل .

{ وأحسنوا } يحتمل أن يريد الإحسان إلى الناس ، أو الإحسان في طاعة الله وهو المراقبة ، وهذا أرجح لأنه درجة فوق التقوى ، ولذلك ذكره في المرة الثالثة وهي الغاية ، ولذلك قالت الصوفية : المقامات ثلاثة : مقام الإسلام ثم مقام الإيمان ثم مقام الإحسان .